فلذلك تسبب عن ذكرهما قوله:{فأينما تولوا فثم وجه الله} أي: فأي مكان أوقعتم فيه التولية للصلاة إلى القبلة التي أمرتم بالتولية إليها، {فثم}، أي: فذلك الموضع {وجه الله}، أي: جهته التي وجهكم إليها، أو مكان استقباله والتوجه إليه، وما يستقبلكم من جلاله وجماله، ويتوجه إليكم من بره وأفضاله، فإن نسبة جميع الأماكن والجهات في القرب والبعد إليه سواء.
وقال بعض المفسرين كما نقله أبو حيان: هذه الآية ليست في الصلاة، بل هي خطاب للذين يخربون المساجد، أي: أينما تَوَلَّوا هاربين عني فإني ألحظهم، ويقوي هذا التفسير قراءة الحسن، "فأينما يُولوا" بياء الغائب، انتهى.
قلت: وهو تفسير غير بعيد، وذكره الفخر الرازي في تفسيره، ولم يعزه لأحد، وقال: وفي ذلك تحذير من المعاصي وزجر عن ارتكابها.
وقوله:{إن الله واسع عليم} نظير قوله: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣)} [الرحمن: ٣٣] فعلى هذا يكون المراد منه سعة العلم، وهو نظير:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد: ٤].
ولمّا أخبر عن سعة فضله مبثوثًا في واسع ملكه، بما وقفت العقول عن منتهى علمه، علله بما صغر ذلك في جنبه، فقال:{إن الله واسع}، أي: محيط بما لا تدركه الأوهام، فلا يقع شيء إلا في ملكه، {عليم} فلا يخفى عليه فعل فاعل أينما كان، وكيفما كان، فهو يعطي المتوجه إليه على قدر نيته بحسب بلوغ إحاطته، وشمول علمه وقدرته.
ولما أفاد ما تقدم وصفه تعالى بتمام القدرة، واتساع الملك والفضل، وشمول العلم، كان من المحال افتقاره إلى شيء، ولد أو غيره، فذم أهل الأديان الباطلة كلهم بافترائهم في الولد: اليهود في عزير، والنصارى في "المسيح"، وعبدة الأوثان في "الملائكة".