للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنَّه أظهر لنبيه محمَّد - صَلَّى الله عليه وسلم - معجزة أعظم من معجزة موسى عليه السَّلام، وهي نبع الماء من بين أصابعه، وذلك أن نبع الماء إنَّما يكون من الحجر من الجبال والتلال، ومن التراب، فإن نبعه من دم ولحم فليس هذا من مظانه، فبذلك حصل الفرق بين المعجزتين. وأتى بلفظ الانفجار الذي يدور معناه على انشقاق فيه سيلان وانبعاث.

وقوله: {منه}، أي: من الحجر {اثنتا عشرة عينًا}، لكل سبط من الأسباط الاثني عشر عين، ولما توقع السامع إخبار المتكلم، هل كانت الأعين الموزعة بينهم معروفة أو ملبسة؟ قال: {قد علم كل أناس مشربهم}، أي: مكتفاهم من الشرب المردد مع الأيَّام، ومع الحاجات، في كل وقت، لأنَّ مفعل مصدر هنا، أو اسم محل يلزمه التكرار عليه، والتردد، فجعل سبحانه سقياهم آية من آياته في عصاه.

ولما كان السياق للامتنان، قال على إرادة القول: {كلوا واشربوا من رزق الله}، مما رزقكم من الطَّعام، وهو المن والسلوى، ومن ماء العيون، وقيل: الماء تنبت منه الزروع والثمرات، فهو رزق يؤكل منه ويشرب، وقوله: {ولا تعثوا}، العُثِيّ أشد الفساد، أي: قيل لهم: لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم، لأنهم كانوا متمادين فيه.

ولما امتن عليهم بالنعم المارّ ذكرها، بيّن ما كان عليه القوم من الدناءة في مطالبهم فقال:

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)}.

لما كان القوم فلاحة، نزعوا إلى أصلهم الرديء، وأعمالهم السيئة، وإلى عادتهم وديدنهم، فبطروا ما كانوا فيه من النعمة، وطلبت أنفسهم الشقاء، وهكذا

<<  <   >  >>