للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعتذر المانعون عن الحديث بأعذار لا تغني شيئًا؛ وظاهر الحديث أن الجنين يحل بذكاة الأم مطلقًا، سواء خرج حيًا أو ميتًا؛ فالتفصيل ليس عليه دليل.

وقولهم: المراد ذكاة الجنين كذكاة أمه، مردود بأنه لو كان المعنى على ذلك لكان منصوبًا بنزع الخافض، والرواية بالرفع، ويؤيده أنه روي بلفظ: "ذكاة الجنين في ذكاة أمه" أي: كائنة، أو: حاصلة في ذكاة أمه. وروي: "ذكاة الجنين بذكاة أمه" - والباء للسببية.

وقوله {وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} أراد الخنزير بجميع أجزائه، لكنه خص اللحم لأنه المقصود بالأكل، وفائدة تخصيص لحم الخنزير دون لحم سائر السباع، أن كثيرًا من الكفار ألفوا لحم الخنزير، فخص بهذا الحكم، وهذا قول سائر أهل العلم.

ونقل أبو حيان في "البحر" عن داود الظاهري (١) أنه قال: المحرم من الخنزير اللحم دون الشحم، انتهى.

واستدل بظاهر الآية، ودليله قوي، إلا إذا أتى ما يعارضه، وسيمر بك ذلك المعارض، وعندي في النقل عن داود وقفة، فقد قال أبو محمَّد بن حزم الظاهري، في كتابه "المحلى" ما لفظه: ولا يحل أكل شيء من الخنزير، لا لحمه ولا شحمه، ولا جلده ولا عصبه، ولا غضروفه ولا حشوته، ولا مخهُ ولا عظمه، ولا رأسه ولا أطرافه، ولا أليته ولا شعره، الذكر والأنثى، والصغير والكبير سواء، انتهى.

فيحتمل أن هذا مذهب لابن حزم انفرد به عن داود، ويحتمل أنه مذهب داود، وقد غلط أبو حيان في النقل عنه، مع أنه كان ظاهريًا، وكثيرًا ما يحصل الغلط في النقل عن الأئمة لمن لم يراجع كتبهم.

قال ابن حزم: ولا يحل الانتفاع بشعر الخنزير لا في خرز ولا في غيره، ثم استدل لذلك بحديث الصحيحين: "ينزل عيسى بن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر


(١) هو داود بن علي. الأشهر من علماء الظاهر .. ومن بعده الإِمام ابن حزم. ولكن الحق أن حكم الظاهر هو الغالب على أكثر فقهاء المذاهب.

<<  <   >  >>