للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل تعالى وصف قلوبهم بالقسوة والغلظة، مثلًا لنبوّها وتباعدها عن الاعتبار، وأن المواعظ لا تؤثر فيها وقوله: {من بعد ذلك}، إشارة إلى إحياء القتيل، أو إلى جميع ما تقدم من الآيات المعدودة، فهي في قسوتها مثل الحجارة التي هي أبعد الأشياء عن حال القلوب، فإن القلب أحيى حي، والحجر أجمد جامد، ولم يشبهها بالحديد لما فيه من المنافع، ولأنَّه قد يلين، ولما كانت القلوب بالنظر إلى حياتها ألين ليّن، وبالنظر إلى ثباتها على حالة أصلب شيء، كانت بحيث تحير الناظر في أمرها، هل هي في القسوة {كالحجارة أو أشد قسوة} لأنَّها لا تلين للذي حقه أن يلينها، والحجر يلين لما حقه أن يلين، وكل وصف للحي يشابه ما دونه يكون أقبح في الحي مما دونه، من حيث إن الحي مهيّأ لضد تلك المشابهة بالإدراك، ولما كان لقلوبهم فضل على الحجارة في شدة القسوة، قال تقريرًا لقوله: {أو أشدّ قسوة وإن من الحجارة لما يتفجرُ منه الأنهار}، أي: من الحجارة {وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء}، أي: وإن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير الغزير، ومنها ما ينشق انشقاقًا بالطول أو بالعرض فينبع منه أيضًا، {وإن منها لما يهبط من خشية الله}، أي: ينتقل من مكانه من أعلى الجبل إلى أسفله، لأمر الملك الأعلى سبحانه وتعالى له بذلك، وقلوب هؤلاء وهم بنو إسرائيل ومن كان على شاكلتهم، لا تنقاد لشيء من الأوامر، فجعل الأمر في حق القلوب لما فيها من العقل، كالإرادة في حق الحجارة لما فيها من الجمادية، وفي ذلك تذكير لهم بالحجارة المتهافتة من الطور عند تجلي الرب.

ولما كان التقدير: وما أعمالكم مما يرضي الله، عطف عليه قوله: {وما الله بغافل عما تعملون}، فانتظروا عذابًا مثل عذاب أصحاب السبت، والمعنى: وما الله بغافل يا معشر المكذبين بآياته، والجاحدين نبوة رسوله - صَلَّى الله عليه وسلم -، والمتقولين عليه الأباطيل، من بني إسرائيل وأحبار اليهود، عما تعملون من أعمالكم الخبيثة، وأفعالكم الرديئة، ولكنها يحصيها عليكم فيجازيكم بها في الآخرة، أو يعاقبكم بها في الدُّنيا.

هذا وفي الآية إشارات: أولها: أن التشديد في السؤال والتعنت فيه موجب

<<  <   >  >>