للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إما أن يعادوا أولياء الله على ما ذكرنا فيكون عداوة لله كقوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] وكقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: ٥٧]، لأنَّ المراد بالآيتين أولياء الله دونه، لاستحالة المحاربة والأذية عليه.

وإما أن يراد بذلك كراهتهم القيام بطاعته وعبادته، وبعدهم عن التمسك بذلك، فلما كان العدو لا يكاد يوافق عدوه أو ينقاد له، شبه طريقتهم في هذا الوجه بالعداوة، فأما عداوتهم لجبريل والرسل فصحيحة، لأنَّ الإضرار جائز عليهم، لكن عداوتهم لا تؤثر فيهم لعجزهم عن الأمور المؤثرة فيهم، وعداوتهم مؤثرة في اليهود لأنَّها في العاجل تقتضي الذلة والمسكنة، وفي الآجل تقتضي العذاب الدائم.

لما فرغ سبحانه وتعالى من ترغيبهم في القرآن بأنه من عند الله، وأنه مصدق لكتابهم، وفي جبريل بأنه الآتي به بإذن الله، ومن ترهيبهم من عداوته، أتبعه مدح هذا القرآن وأنه واضح الأمر لمريد الحق، وأن من كفر به منهم أو من غيرهم، فاسق، أي: خارج عما يعرف من الحق بحيث لا يخفى على أحد، فقال:

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (٩٩)}.

فقوله: {ولقد}، معطوف على قوله: {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة: ٩٧]، أو على قوله: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} [البقرة: ٩٢]، ويصح أن يكون عطفًا على مقدر تقديره: بَانَ (١) بهذا الَّذي نزله جبريل أن الآخرة ليست خالصة لهم، وأنهم ممن أحاطت به خطيئته لكفره.

والآيات البينات هي الدلالة الفاصلة بين القضية الصادقة والكاذبة، والمعنى: ولقد أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك، فاصلات بين الحق والباطل، وتلك الآيات هي ما حواه ذلك الكتاب الَّذي أنزل إليك من خفايا علوم اليهود، ومكنون سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما


(١) الأصل: "إن" والتصحيح من البقاعي.

<<  <   >  >>