للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم، وبدلوه من أحكامهم التي كانت في التوراة، فأطلع الله في كتابه الَّذي أنزله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، على ذلك، فكان، [في] ذلك من أمره، الآياتُ (١) البينات لمن أنصف نفسه، ولم يدْعُه إلى إهلاكها الحسدُ والبغي.

إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة، تصديق من أتى بمثل الَّذي أتى به محمد - صلى الله عليه وسلم - من الآيات البينات، التي وضعت من غير تعلم تعلمه من بشر، ولا أخذ شيئًا منه عن آدمي، {وما يكفر} بتلك الآيات ويجحدها {إلا} الخارج منهم عن دينه، التارك منهم فرائضي في الكتاب الَّذي تدين بتصديقه، فأما المتمسك منهم بدينه والمتبع منهم حكم كتابه، فإنه بالذي أنزلت إليك من آياتي مصدق، وهم الذين كانوا آمنوا بالله وصدقوا رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من يهود بني إسرائيل.

هذا وقد جاء تفسير الفسق بالكفر، قال الحسن: إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره، وعليه فكأنه قيل: وما يكفر بها إلا المبالغ في كفره، المنتهي به إلى أقصى غايته، و "ال" في {الفاسقون} للجنس أو للعهد في اليهود، لأنَّ سياق ما قبله وما بعده يدل عليهم، والاستثناء هنا مفرغ.

لما أنكر عليهم أولًا ردهم للرسل لأمرهم بمخالفة الهوى في قوله: {أَفَكُلَمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ} [البقرة: ٨٧] وأتبعه بما يلائمه إلى أن ختم بأن آيات هذا الرسول من الأمر البين الَّذي شهد به كتابهم، وقد أخذ عليهم العهد باتباعه، كما أرشد إليه قوله تعالى: {فَإمَّا يَأْتِيَنَكُمُ مِنِي هُدًى} [البقرة: ٣٨] الآية، أنكر عليهم ثانيًا كفرهم بما أتى به الرسل بقوله:

{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٠)}.

الواو للعطف على محذوف، ومعناه: أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا، وقرأ "أبو السمال" بسكون الواو، على أن {الفاسقون} بمعنى: الذين


(١) في الأصل: (فكان ذلك ... الآيات). والتصحيح من الطبري.

<<  <   >  >>