للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اسْتِنْبَاط الأحكَام مِنْ هَذِه الآيَة

دلت هذه الآية الكريمة على أمور:

أحدها: أن علوم الأوائل أنزلت على هاروت وماروت ببابل، وعلى أن الشياطين سواء كانوا من الجن، أو من الإنس، هم الذين يعلمون السحر للناس، فيصرفون تلك العلوم عن مقاصدها الأصلية، وعما وضعت له إلى ما ينتج عنها من نتائج الضرر، وقد صرحت هذه الآية بأن أهل بابل هم أول من اشتغل بتلك العلوم، وقد أنبأ بذلك آثارهم التي وجدت وتوجد إلى الآن في بطون آثار بابل، ثم تهافت عليهم أهل مصر القدماء، فأخذوا الفلسفة والسحر عنهم.

ولما كان أهل بابل أهل عبادة أصنام وأوثان، وخدمة للكواكب وتقرب إليها، كان أقباط مصر كذلك؛ لأخذهم العلوم عنهم، فعبدوا الكواكب، وتقربوا إليها وأقاموا لها التماثيل، واخترعوا لها الأدعية والعزائم، فكان حكماء اليونان وفلاسفتهم وغيرهم، يتهافتون على أهل مصر يريدون التقريب إليهم، لما كان عندهم من علوم السحر والطلسمات، والهندسة والنجوم والطب، والحساب والسيمياء والكيمياء، وكانت كهنة مصر أعظم كهان ذلك الزمان قدرًا، وأجلها بالكهانة علمًا كما ذكره "ابن أبي أصيبعة" قال:

وكانت حكماء اليونان تصفهم بذلك وتشهد لهم به، وكانوا ينحون بكهانتهم نحو النجوم، ويزعمون أنها هي التي تفيض لهم العلوم وتخبرهم بالغيوب، وهي التي تعلمهم أسرار الطوالع وصفة الطلاسم، وتدلهم على العلوم المكتومة والأسماء الجليلة المخزونة، فعملوا الطلسمات والنواميس، وولدوا الأشكال الناطقة، وصوروا الصور المتحركة، وبنوا العالي من البنيان، ورمزوا علومهم في

<<  <   >  >>