للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض وهادًا وجبالًا شاهقة، وانخفاضًا وارتفاعًا، وهو مناف لكرويتها فأجاب المثبتون بأن أعظم جبل على وجه الأرض نسبته إلى مساحتها، كنسبة سُبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع، ومثل هذا لا ينافي كرويتها، وبيَّن المتأخرون الجواب، بأن أعظم ارتفاع الجبال، لم يتجاوز التسع كيلومترات، والانخفاض لم يتجاوز ثلاث كيلومترات، وهذا لا يعد شيئًا بالنسبة إلى نصف قطر الأرض البالغ طوله ستة آلاف وثلاثمئة وستة وستين كيلو مترًا.

ثم اختلفوا في كونها متحركة أو ساكنة، وهذا الخلاف قديم، فإن "فيثاغورث" (١) كان قبل سيدنا عيسى بخمسمئة عام، وكان يعلم تلامذته في مدرسة "كورتونيا" على طريقة أن الأرض متحركة، فلما جاء بطليموس الرومي قبل ميلاد المسيح بمئة وأربعين سنة، اختار القول بأن الأرض ساكنة، وأنّ الشمس تدور عليها، وبنى مذهبه على ذلك، فشاعت قاعدته بين الناس، واشتهرت في البلاد لاستيلاء الروم على أقطار الأرض، فلما جاء الإسلام وترجمت الكتب، وقع في أيديهم كتب الهيئة على ما ذهب إليه الروم، فاعتنى بنقلها وهذبها كثير، منهم "الفارابي" في أوائل القرن الرابع من الهجرة، وتبعه "ابن سينا" وغيره ممن جاء بعده، وهجرت الطريقة التي كان عليها فيثاغورث.

ثم نبغ ببلاد لهستان رجل يقال له "كوبر نيكوس" (٢) وكان ماهرًا بالعلوم الرياضية، واشتغل بالهيئة والرصد والحكمة من سنة خمسمئة وألف إلى سنة ثلاثين وخمسمئة بعد الألف على التاريخ المسيحي، وهي سنة سبع وثلاثين وتسعمئة من


(١) فيثاغورث: أحد حكماء اليونان تفرغ من صغره إلى درس الحكمة، وطلبها في مصر والشام وبابل. إليه يعزى تقويم الحساب المعروف بجدول فيثاغورث في الضرب. قال بتناسخ الأوراح. توفي نحو ٦٠٠ ق. م.
(٢) هو عالم فلكي بولوني (١٤٧٣ - ١٥٤٣) برهن عن دوران الكرة الأرضية على ذاتها وحول الشمس، فغير النظرية القديمة بأن الأرض ثابتة وأن الشمس تدور حولها. وانظر كتاب "ما دلّ عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان" للعلامة الشيخ محمود شكري الآلوسي. طبع المكتب الإسلامي.

<<  <   >  >>