{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ}، ولم يقل: فأزلهما إبليس، لأن الشيطان يشير إلى معنى الشيطنة، وهي تدل على البعد والسرعة، التي تقبل التلافي والرجوع، فأشار إلى أنه لا بد من رجوع آدم، وأما لفظ "إبليس" فإنه يشير إلى معنى الإبلاس، ولما كان هذا المعنى يلوح بقطع الرجاء، لم يكن ذكره من البلاغة على ما يرام.
وهنا مجال طويل، قد أطال علماء التوحيد وغيرهم البحث فيه، وهو الكلام على عصمة الأنبياء، ولنذكر خلاصته، لأن الكتب مشحونة بما يغنينا عن الإطالة، وذلك أن الأدلة العقلية والنقلية، قد قامت على أن الأنبياء لم يصدر عنهم الذنب حال النبوة البتة، لا الكبيرة ولا الصغيرة، لأننا نعلم ببديهة العقل، أنه لا شيء أقبح من نبي رفع الله درجته، وائتمنه على وحيه، وجعله خليفة في عباده وبلاده يسمع ربه يناديه: لا تفعل كذا، فيقدم عليه، ترجيحًا للذاته، وغير ملتفت إلى نهي ربه ولا منزجر بوعيده.
هذا معلوم القبح بالضرورة، ولذلك كاد العلماء أن يتفقوا على أن ما صدر من آدم عليه السلام من الأكل من الشجرة، إنما كان قبل أن يُنبأ بلا شك، لأن نبوته حينئذ، لو كانت لكان إرساله عبثًا وقتئذٍ، لأنه لم يكن من يرسل إليه، على أننا لو تأملنا حقيقة الأمر، لوجدنا أن آدم لم يفعل ما فعل إلا ناسيًا كما قال: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)} [طه: ١١٥](١). ولم يكن ما فعله اغترارًا بقول إبليس، لأنه كان يعلم تمرده عن السجود، وكونه مبغضًا له، وحاسدًا له على ما آتاه الله من النعم، وقد قال الله له: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧)} [طه: ١١٧]، وهذا يدل على ما قلناه.
وأيضًا لو كان إقدام آدم على الأكل من الشجرة اتباعًا لإغواء إبليس، لكانت
(١) رحم الله الشيخ المؤلف، فإنه هنا ترك التوسع واقتضب، الأمر الذي يوهم التناقض، والأمر ليس كذلك. وننصح القارئ الكريم بالرجوع إلى تفسير العلامة ابن كثير، فإنه أوضح، وأصرح، وأسلم.