للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيهم، مع أن بطلانه أظهر من الشمس ليس فيه لبس، ولكن ليس لهم علم أصلًا بذلك، ولا بغيره، ولا يمكن أن يكون لهم علم، لأن جهلهم مركب، وهو أسوأ الجهل، والعلم: ما أُخذ بعلامة أو أمارة نصبت عليه، ولما كان الفساد يكفي في معرفته، والصد عنه، أدنى تأمل، والسفه لا يكفي في إدراكه والنهي عنه إلا رزانة العلم، ختمت كل آية بما يناسب ذلك من الشعور والعلم، ولما كان العام جزءًا من الخاص، قدم عليه.

فقوله: {كما آمن الناس}، "ما" مصدرية، والمراد بـ {الناس} الكاملون في الإنسانية، وهم الجامعون لما يعد من خواص الإنسان وفضائله، فهم لذلك يستحقون أن يحصر فيهم الجنس كأنهم الجنس كله، فهذا الحصر بالنظر إلى كمالهم، وإذا لوحظ أن غير المؤمنين كالبهائم، في فقد التمييز بين الحق والباطل، بل أدنى مرتبة منها، فلا يندرجون في الناس، بل كان منحصرًا في المؤمنين إيمانًا حقيقيًا، الآخذين بأساليب الإصلاح وطرقه الحقيقية، الناجحين في جميع مساعيهم بمساعدة العناية الربانية، كان هذا حصرًا بالنظر إلى نقصان من عداهم، وقصورهم عن رتبة الإنسانية، ومعنى الإنكار في {أنؤمن}، أن ذلك لا يكون أصلًا.

و{السفهاء}: جمع سفيه، وهو الجاهل الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار، وإنما نسبوا المؤمنين إلى السفه، وإلى ركاكة العقل وخفته، لأنهم بجهلهم وإخلالهم بالنظر، وبإنصاف أنفسهم، اعتقدوا أن ما هم فيه هو الحق، وأن ما عداه باطل، ومن ركب متن الباطل كان سفيهًا، ولأن المنافقين كانوا في رياسة وبسطة في قومهم، وكانوا في يسار، وكان أكثر المؤمنين فقراء، وفيهم الموالي، فدعوهم سفهاء تحقيرًا لشأنهم.

لقد قص الله علينا نبأ المنافقين في هاته الآيات ليعلّمنا العلم الاجتماعي، ويرشدنا إلى مسالك البشر، ويرشدنا إلى أن الاعتماد على النفس من السبل الناجحة الموصلة إلى المطلوب، وأن الركون إلى العادة التي كان عليها الآباء هي العثرة العظيمة في سبيل السير، وأن المصلح لا بد له من أن يخلع لباس اتباع العادات، ولا يبالي باستهزاء أعداء الإصلاح، ولا بما يوقعونه في سبيله من

<<  <   >  >>