للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وما كادوا يفعلون}، أي: قاربوا قبل هذه المراجعة الأخيرة الفعل، وهذا بيان الاستثقال لاستقصائهم واستبطاء لهم، وأنهم لتطويلهم المفرط وكثرة. استكشافهم، ما كادوا يذبحونها، وما كادت تنتهي سؤالاتهم، وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم.

ولما قسمت القصة شطرين تنبيهًا على النعمتين، نعمة العفو عن التوقف عن الأمر، ونعمة البيان للقائل بالأمر الخارق للعادة، وتنبيهًا على أن لهم بذلك تقريعين:

أحدهما: بإساءة الأدب في نسبة الاستهزاء لسيدنا موسى عليه السَّلام، والتوقف عن الامتثال. والثَّاني: على القتل وما تبعه، ولو رتبت القصة ترتيبها في الوجود، لم يحصل ذلك، وقدم الشطر الأنسب لقصة السبت، ثم أتبعه الآخر، وذلك أنَّه لما وجب عليهم السبت، أخذوا يقترحون ويسألون إياه حتَّى شدّد عليهم كما فعلوا في أمر البقرة.

والشطر الثَّاني هو قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفسًا}، أسند الفعل إلى الكل، والقاتل واحد لأنَّ ذلك عادة العرب، لأنَّ عادة القبيلة المدافعة عن أحدهم، {فادّارَأتم}، فاختلفتم واختصمتم في شأنها، لأنَّ المتخاصمون، يدرأ بعضهم بعضًا, أي: يدفعه ويزحمه، ويصح أن يراد بـ "ادّارأتم" توافقتم، بمعنى: طرح قتلها بعضكم على بعض، فدفع المطروح عليه الطارح، فكأن لهم بذلك ثلاثة آثام: إثم الكبيرة، وإثم الإصرار، وإثم الافتراء بالدفع، قال الكلبي: وذلك قبل نزول القسامة في التوراة.

ولما كان فعلهم في المداراة فعل غافل عن إحاطة علم الخالق سبحانه، قال يحكي حالهم إذ ذاك: {والله مخرج ما كنتم تكتمون}، أي مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل ألا يتركه مكتومًا.

ثم بيّن لهم تعالى سر عظمته وكبريائه، وغفلتهم عن إحاطة علمه تعالى، فقال: {فقلنا اضربوه}، أي اضربوا النَّفس التي قتلتموها {ببعضها}، أي ببعض البقرة، وذكر النَّفس على إرادة الشخص بها. قال أبو علي الفارسي في كتاب

<<  <   >  >>