للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرسلًا أشبه بالصواب، ويقوي حكمه ما أخرجه الإِمام أحمد والترمذي وأبو داود، عن أبي واقد الليثي مرفوعًا: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" (١).

وأما {وَالدَّمُ}: فكانت العرب تجعله في المباعر (٢) وتشويها ثم تأكلها، فحرم الله الدم المسفوح الذي يفعل به أهل الجاهلية؛ وقد علمت مما مرّ أنه يستثنى منه الكبد والطحال، وقد بلغني أن أناسًا من أهل زماننا، يفعلون بالدم مثل فعل الجاهلية ثم يأكلونه، وسئلت عن ذلك فأفتيت بالحرمة، وتلوت الآية الكريمة مستدلًا بها.

وبقي هنا أن يقال: إن كثيرًا ما تذبح الذبيحة التي يحل أكلها، فيوجد في بطنها جنين ميت، فهل له حكم الميتة أم لا؟

والجواب: أن ظاهر الآية يقتضي إلحاقه بالميتة، وإلى ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة، فقالوا: لا تغني تذكية الأم عن تذكيته؛ واحتجوا بعموم هذه الآية، لكن ذلك الاحتجاج معارض بوجهين:

أولهما: أنه من ترجيح العام على الخاص الوارد في الأحاديث الآتية، وقد تقرر في فن الأصول بطلانه.

وثانيهما: ما أخرجه الإِمام أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الجنين: "ذكاته ذكاة أمه" (٣)، وفي رواية, قلنا: با رسول الله، ننحر الناقة، ونذبح البقرة والشاة، في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكل؟ قال: "كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه". رواه الإِمام أحمد وأبو داود، وإلى ذلك ذهب الثوري والشافعي، والحسن بن زياد، وصاحبا أبي حنيفة (٤).


(١) هو في "صحيح سنن الترمذي - باختصار السند" ١١٩٧.
(٢) أي: في المصارين والأمعاء بعد إضافة البهارات.
(٣) هو في "صحيح سنن الترمذي- باختصار السند" ١١٩٣.
(٤) تقدم أن أبا حنيفة ذهب إلى وجوب تذكية الجنين، وهنا صاحباه على خلافه، وبذلك يكون المذهب قولهما، كما هو مقرر في أصول الأحناف ... بل إن أقوال أبي حنيفة في مذهبه لا تكاد تصل إلى الربع مما هو مفتى به.

<<  <   >  >>