للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (١). فإذا لاح الحرام، وتراءت الشبهات، كان للشيطان مدخل، وكان الإنسان كالراعي يرعى حول الحمى.

وقد استنبط الإمام أحمد بن تيمية، الملقب بشيخ الإسلام، من هذه الآية معنىً حسنًا، في كتابه المسمى بـ "الإيمان" فقال: إن الله تعالى لم يأذن للكفار في كل شيء، ولا أحل لهم شيئًا، ولا عفا لهم عن شيء يأكلونه، بل قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} فشرط فيما يأكلونه أن يكون حلالًا، وهو المأذون فيه من جهة الله ورسوله، والله لم يأذن في الأكل إلا للمؤمن به، فلم يأذن لهم في أكل شيء، إلا إذا آمنوا، ولهذا لم تكن أموالهم مملوكة لهم ملكًا شرعيًا، لأن الملك الشرعي هو القدرة على التصرف الذي أباحه الشرع، والشارع لم يبح لهم تصرفًا في الأموال إلا بشرط الإيمان، فكانت أموالهم على الإباحة.

فإذا قهر طائفة منهم قهرًا يستحلونه في دينهم، وأخذوها منهم، صار هؤلاء فيها كما كان أولئك، والمسلمون إذا استولوا عليها فغنموها، ملكوها شرعًا، لأن الله أباح لهم الغنائم، ولم يبحها لغيرهم، ويجوز لهم أن يعاملوا الكفار فيما أخذه بعضهم من بعض، بالقهر الذي يستحلونه في دينهم، ويجوز أن يشتري من بعضهم ما سباه من غيره، لأن هذا بمنزلة استيلائه على المباحات، ولهذا سمى الله ما عاد من أموالهم إلى المسلمين فيئًا، لأن الله أفاءه إلى مستحقه، أي: رده إلى المؤمنين به، الذين يعبدونه ويستعينون برزقه على عبادته.

فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه، وإنما خلق الرزق ليستعينوا به على عبادته. ولفظ الفيء، قد يتناول الغنيمة، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في غنائم حنين: "ليس لي مما


(١) هو في "غاية المرام" للألباني - والأصل للقرضاوي - رقم ٢٠.

<<  <   >  >>