للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)}.

في هذه الآية المصدرة بـ {قَدْ نَرَى} نبأ إسماع لمن يرتقب أمرًا أو خبرًا، يفيد ذلك النبأ مع المستقبل ندرة الوقوع، ففيه إعلام بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما انطوى ضميره على إرادة التوجه للكعبة، التي هي قيام للناس، حين كان هو رسولًا لكافة الناس، وكان على ملة أبيه إبراهيم، يكتفي بعلم الله به عن مسألته، لأن الدعاء للطالبين قضاء حاجة، وللمكتفين بعلم الله عبادة، أجاب الله: {تَقَلُّبَ وَجْهِكَ} على قلة وقوع ذلك منه، على ما تشعر به {قَدْ} بالتقليل، للتقلب وللرؤية للسماء، فيه إعلام بما جعله من اختصاص السماء بوجه الداعي، كما اختص غيب القلوب بوجهة المصلي، فالمصلي يرجع إلى غيب قلبه، ولا يرفع طرفه إلى السماء: "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم" (١) والداعي يتوجه إلى السماء، انتهى ملخصًا من كلام الحرالّي.

وفي الحديث عن البراء بن عازب، قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآية. وكان يحب ذلك. . الحديث، رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه سفيان الثوري، انتهى.

ورواه ابن ماجه أيضًا عن البراء، ولفظه: قال البراء: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرًا، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقلب وجهه في السماء، وعلم الله من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة، فصعد جبريل، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعه بصره، وهو يصعد بين السماء والأرض، ينظر ما يأتيه به، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآية. . الحديث.


(١) ينظر "مختصر صحيح مسلم" ٣٣٦.

<<  <   >  >>