وهذا الحديث رواه الترمذي وإسحاق وابن ماجه، عن أبي إسحاق، عن البراء. وأبو إسحاق معدود في المدلسين، لكن قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، في كتاب "الإيمان" من شرحه على البخاري، قد جاء سماع أبي إسحاق عن البراء في غير هذا الحديث، فلا ضعف فيه من تدليس أبي إسحاق. انتهى.
قلت: وإلى هذه النكتة أشار الترمذي إلى حسن هذا الحديث وصحته، ورواية ابن ماجه حكم عليها الحافظ بالشذوذ، وبيانه أن قوله: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت المقدس، إلى آخره. يدل على أنه صرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بثمانية عشر شهرًا؛ وقوله: وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة بشهرين، يدل على خلاف ما أفادته الجملة الأولى، وذلك لأن صلاة البراء مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كانت بعد دخول رسول الله المدينة، إلا أن يقال: أراد بقوله: صلينا، الإشارة إلى صلاة الصحابة مطلقًا، ولو بمكة، وهذا مبني على أنه - صلى الله عليه وسلم -، وجه إلى بيت المقدس وهو بمكة، وكان على ذلك بعد دخوله المدينة بشهرين، ثم صرفت القبلة إلى الكعبة، وهذا خلاف المشهور بين الجمهور، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: كان قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور.
وبالجملة فهذه رواية شاذة مخالفة للروايات المشهورة في حديث البراء، فليس منها الجملة الثانية أصلًا. وقد حكم الحافظ على هذه الجملة بالشذوذ، وقال: هما من طريق أبي بكر بن عياش، وهو سيئ الحفظ، وقد اضطرب فيه، والجملة الأولى جاءت في بعضها على الشك بين ستة عشر أو سبعة عشر، وفي بعضها الجزم بسبعة عشر، وحديث الترمذي أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
فقوله تعالى:{قَدْ نَرَى} مضارع بمعنى الماضي. وقد ذكر بعض النحاة: أنا {قَدْ} مما يصرف المضارع إلى الماضي في بعض المواضع، والتقلب: التحول والتصرف.
ويعني بقوله:{فِي السَّمَاءِ} نحو السماء وقبلها، والمعنى: قد رأينا تحول