للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوصية، وهذا هو الحق لما ذكر من الأدلة، ولقول مجاهد: "الخير" في القرآن كله: المال، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)} [العاديات: ٨] , {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} [ص: ٣٢] , {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] , {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} [هود: ٨٤].

وإلى هذا ذهب ابن عباس وقتادة والسدي والربيع، والضحاك وعطاء.

وقال جماعة: لفظ الخير في هذه الآية: المال الكثير، واحتجوا لذلك بحجج عقلية، منها أن المال؛ وإن كان يطلق على القليل والكثير، لكنه أطلق على الكثير مجازًا، لاطباقهم على أن من ترك درهمًا، لا يقال: إنه ترك خيرًا، ومثل هذا الدليل يتضاءل عند مقابلة النصوص له.

ولما ذكر الله أمر الوصية ووجوبها، وعظم أمرها، أتبعه بما يجري مجرى الوعيد في تغييرها، فقال:

{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١)}.

يصح أن تكون "من" واقعة على الوصي أو على الشاهد، أو على سائر الناس.

أما الوصي: فبأن يغير الوصية، إما في الكتابة، أو في قسمة الحقوق.

وأما الشاهد: فبأن يغير شهادته أو يكتمها.

وأما غيرهما: فبأن يمنع من وصول ذلك المال إلى مستحقه، فهؤلاء كلهم داخلون تحت قوله تعالى: "فمن بدله".

وقيل: إن "من" واقعة على الموصي، فهي عن تغيير الوصية عن المواضع التي بين الله تعالى بالوصية إليها.

والحق أن "من" هنا عامة للوصي والموصي والشاهد، ومن له دخل في تغيير الوصية وتبديلها، حتى أنها تشمل الحاكم إذا علم صحتها ولم يحكم بها.

<<  <   >  >>