للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذهب المتكلمون في التفسير في كلامهم على {آلم} وأمثالها من فواتح السور مذهبين:

أَوَّلهما وأَوْلاهما: أن هذا علم مستور، وسر محجوب، استأثر الله تعالى بعلمه، فلا حظَّ للبشر من الوصول إلى حقيقته، إلّا أن يقولوا: الله أعلم بمراده بذلك، وإلى هذا أشار أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقوله:

"لله في كل كتاب سر، وسره في القرآن أوائل السور"، ونُقِل قريب من هذا عن علي كرم الله وجهه.

وأنت إذا رأيت ما بقي من التوراة والإنجيل، مما يغلب على الظن أنه غير مبدل وجدت فيهما رموزًا، منها ما أشير به إلى ما سيأتي بعد نزولهما، كالإعلام بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنها ما استغلق معناه على أفهام أهله، فلا التفات لاعتراض بعض ما يدعي أتباعهما على القرآن، لأنهم إن قالوا ذلك قابلناهم بالمثل، أو نجيبهم بما قاله أهل المذهب الثاني، وهذا القول مروي عن أكابر الصحابة والتابعين.

وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: "إن الحروف المذكورة في فواتح السور، عجزت العلماء عن إدراكها"، ويمكن أن يكون المروي عنه خلافَ هذا - من قوله: "الألف آلآء الله، واللام لطفه، والميم ملكه" - شيءٌ ابتدعه بعض القصاصين الكذابين ونسبه إليه، لأن ابن عباس لم يفسر القرآن في صحيفة، وإنما نقله عنه جماعة ممن كانوا ملازمين له، منهم الثقات كمجاهد وأضرابه؛ ومنهم غير الثقات كما أوضحناه في المقدمة (١).

فإن قال قائل: إن هذا المذهب يبطله العقل والنقل، لأنه لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لا يكون مفهومًا للخلق، فمن النقل قوله تعالي: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)} [محمد: ٢٤] وقوله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)} [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥]، والمحتج بذلك هم المتكلمون، قالوا: أمرهم في


(١) كانت العبارة في الأصل مضطربة، وفيها مسح وإضافة ... ولم نجد (تكملة الحاشية في المتن).

<<  <   >  >>