للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسجدوا فسجدوا له كرامة من الله أكرم بها آدم. وقال أبو إبراهيم المزني، فيما أخرجه عنه ابن عساكر: إن الله جعل آدم كالكعبة، وعاب بعض الناس هذا المعنى، فقال: لو كان الأمر كذلك، لقيل: اسجدوا إلى آدم، وهذا القول يدل على ضعف قائله بمعرفته أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن المجيد، فإن العرب كثيرًا ما تجعل اللام موضع إلى، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨] والعود إنما يكون إلى الشيء، لا له، لأن "عاد" يتعدى بـ "إلى" فأقيم اللام مقامها، وقال تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)} [الزلزلة: ٥] أي: إليها، وقال: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: ٢, فاطر: ١٣, الزمر: ٥] أي: إلى أجل، ومن هذا المعنى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] فالصلاة لله لا للدلوك، فإن كان هذا جائزًا، لم لا يجوز أن يكون معنى {اسْجُدُوا لِآدَمَ}، اسجدوا إليه، فيكون هو قِبلة، والسجود لله، ودليله من الشعر قول حسان (١):

ما كنت أعرف أن الأمر منصرف ... عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلى لقبلتكم ... وأعرف الناس بالقرآن والسنن

فقوله: صلى لقبلتكم، أراد به إلى قبلتكم، وهو نص في المقصود.


(١) في الأصل ورقة (طيارة) فيها ما يلي:
إن هذا الشعر وإن صح في الاستدلال لغة، فإنه لم يثبت من شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه.
ومعناه ليس صحيحًا أيضًا فإن أمر النبوة ومن بعدها الخلافة غير مختص بقوم ولا أفراد، بل الله أعلم حيث يجعل رسالته. والله يولي من يشاء.
وسيدنا علي بن أبي طالب، لم يكن أول من صلى للقبلة، بل سبقه إلى ذلك خديجة والصديق رضي الله عنهما. ومنزلة سيدنا علي بمعرفة القرآن والسنن لا تنكر. وكان أعرف الناس بهما أو بأشياء منهما بعد معرفة سيدنا الصديق بشهادة علي. وكان لكل من الصحابة- وكبارهم على الأخص- انفراد بأنواع من المعارف والعلوم رضي الله عنهم أجمعين.
أقول: ولم أجد هذين البيتين في ديوان حسان. والله أعلم.

<<  <   >  >>