للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأفطروا؛ والمحذوف من هذه الآية تلك الجملة بعينها، وجملة {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، أي: فعليهم عدة من أيام أُخر. فالمحذوف الأول دل عليه المقام، والثاني من باب الحذف من الثاني، لدلالة الأول عليه، وبما قلناه هنا قال العيني، فإنه قال في كتاب الصوم من شرحه على صحيح البخاري، عند الكلام على هذه الآية، قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}، أي: {وَعَلَى الَّذِينَ} يطيقون الصوم، الذين لا عذر لهم، إن أفطروا، {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق، وعند أهل الحجاز مد، انتهى.

لكن فاته أن يقدر ما هو مصرح به في الآية التي قبلها، وهو: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.

وقال الترمذي في "سننه" (١): اختلف أهل العلم فيمن أفطر في رمضان متعمدًا من أكل أو شرب، فقال بعضهم: عليه القضاء والكفارة، شبهوا الأكل والشرب بالجماع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق.

وقال بعضهم: عليه القضاء ولا كفارة عليه, لأنه إنما ذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، الكفارة في الجماع، ولم تذكر عنه في الأكل والشرب، وقالوا: لا يشبه الأكلُ والشربُ الجماعَ، وهو قول الشافعي وأحمد.

وقال الشافعي: وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -، للرجل الذي أفطر فتصدق عليه: "خذه فأطعمه أهلك"، يحتمل هذه المعاني يحتمل أن تكون الكفارة على من قدر عليها. وهذا رجل لم يقدر على الكفارة، فلما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا وملكه، فقال الرجل: ما أجد أفقر إليه منا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذه فأطعمه أهلك". لأن الكفارة إنما تكون بعد الفضل عن قوته، واختار الشافعي لمن كان على مثل هذا الحال أن يأكله، وتكون الكفارة عليه دينًا، فمتى ما ملك يومًا ما كفر. انتهى.

ومحصله: أن الفطر في شهر رمضان فيه الكفارة عند أهل العلم، لكن تسقط عند العجز عنها في المشهور من مذهب أحمد، وتكون دينًا في ذمته عند الشافعي.


(١) هذا الكلام إلى: "انتهى" في "صحيح سنن الترمذي- باختصار السند" ٧٢٧. والحديث المستشهد به في الصحيحين.

<<  <   >  >>