للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالجملة فتنبيه الشارع وحكمته، يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر، فكيف وقد أشار إلى العلة، ونبه عليها وصرح بحكمها، وعزم عليهم أن يفطروا لأجلها؟ ويدل عليه ما رواه عيسى بن يونس عن شعبة عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأصحابه يوم فتح مكة: "وإنه يوم قتال، فأفطروا" (١). تابعه سعيد بن الربيع عن شعبة. فعلل بالقتال، ورتب عليه الأمر بالفطر بحرف الفاء، وكل أحد يفهم من هذا اللفظ أن الفطر لأجل القتال، وأما إذا تجرد السفر عن الجهاد، فكان رسول الله يقول في الفطر: "إنه رخصة من الله، فمن أخذها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه".

هذا وقد أخرج الترمذي عن عائشة: أن حمزة بن عمرو الأسلمي، سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصوم في السفر، وكان يسرد الصوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر" (٢). قال الترمذي: حديث عائشة هذا حديث حسن. وفي المقام مباحث محلها كتب الحديث وشروحها.

ولما بيّن تعالى أحكام المسافرين والمرضى، وأنهم إذا أفطروا في شهر رمضان وجب عليهم القضاء فقط، بيّن تعالى حكم من أفطر عامدًا وهو مطيق للصوم، وليس مريضًا ولا على سفر فقال:

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)}.

معناه: {وَعَلَى الَّذِينَ} يطيقون الصوم، ويقدرون عليه، إذا هم أفطروا من غير عذر يبيح لهم ذلك: القضاء كغيرهم، من أولي الأعذار، ويزيدون عليهم بدفع {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، فالمحذوف من الآية الأولى جملة واحدة، وهي:


(١) لم أجده! ولعله ورد بالمعنى.
(٢) هو في "صحيح سنن الترمذي- باختصار السند" ٥٧٢، وفي "صحيح مسلم" ٢/ ٧٨٩ (١١٢١).

<<  <   >  >>