للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في التقليد، وكان حقه أن يجعل كتاب الله أصلًا، وقول إمامه مفرعًا عنه.

وقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، معناه: لا تجامعوا نساءكم في حال عكوفكم في المساجد، وتلك حال حبسهم أنفسهم على عبادة الله تعالى في مساجدهم؛ والعكوف أصله المقام، وحبس النفس على الشيء.

وقد اختلف أهل التفسير في معنى المباشرة، التي نهى الله عنها في هذه الآية.

فقال ابن عباس: هذه في رمضان، أو في غير رمضان، فحرم الله أن تنكح النساء ليلًا أو نهارًا حتى يقضي اعتكافه.

وقال الضحاك: كانوا يجامعون وهم معتكفون، حتى نزلت هذه الآية؛ وبذلك قال الربيع، وقتادة، والسدي، ومجاهد.

وقالوا: نهى الله المعتكف عن جماع النساء فقط، سواء كان في المسجد أو غيره.

وقال مجاهد أيضًا: نُهوا عن جماع النساء في المساجد، ولا يباشرها، ولا يتلذذ منها بشيء، لا قبلة ولا غيرها، هذا كلامه.

والآية لا تدل إلا على النهي عن المباشرة، وهي من باب المفاعلة، فيكون النهي عن الجماع، وعما هو سبيل له، وأما المباشرة التي لا تلذذ بها، فالظاهر أنها غير داخلة في هذه الآية.

وقال أبو جعفر الطبري: وأولى القولين عندي بالصواب، قول من قال: معنى ذلك الجماع، أو ما قام مقام الجماع مما أوجب غسلًا، وذلك لأنه لا قول في ذلك، إلا أحد قولين: إما جعل حكم الآية خاصًا، أو جعله عامًا، وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ نساءه كنّ يرجلنه (١) وهو معتكف. فلما


(١) الترجيل: هو التسريح للشعر، والحديث في البخاري (٢٩٥)، ومسلم (٢٩٧).

<<  <   >  >>