وهذا كما تراه بسط لما أجمل فيما تقدم، وعندي: أن السؤال غير وارد من أصله، لأن ما أراد الله وجوده إنما هو موجود في علمه تعالى، وإن كان معدومًا في الخارج، فإذا أراد الله تعالى إبراز ذلك الموجود إلى الخارج، أمره بالتكوين فتكون، وأفعاله تعالى لا تقاس على أفعال المخلوقين {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ}[النحل: ٧٤]، وقال الرازي: إن المراد من كلمة {كن} سرعة نفاذ قدرة الله في تكوين الأشياء، وأنه تعالى يخلق الأشياء لا بفكرة ومعاناة وتجربة، وجعل هذا مثال قول السماوات والأرض:{أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت: ١١]، وقد مر بك هذا.
ولما تقرر بما أنبأ من بديع آياته في منبث مصنوعاته، أن عظمته تقصر عنها الأوهام، وتنكص خاسئة دونها نوافذ الأفهام، عجب من الجرأة عليه بما استوى فيه حالة الجهلة من العرب بالعلماء من أهل الكتاب، تبكيتًا لهم وتنفيرًا منهم، بأنه لا حامل لهم على الرضا لأنفسهم، بالنزول من أوج العلم إلى حضيض أهل الجهل، إلا اتباع الهوى، فقال:
أي:{وقال} الجهلة من المشركين، ومن أهل الكتاب، ونفى عنهم العلم، لأنهم لم يعملوا به:{لولا} أي: هلَّا {يكلمنا الله}، أي: يوجه كلامه لنا، قالوا ذلك على طريقة الاستكبار والعتو، {أو تأتينا آية}، أي: هلا يكون أحد هذين: إما التكلم، وإما إتيان آية، أي: علامة على حسب اقتراحنا، عادين ما أتاهم من الآيات على ما فيها من آية القرآن التي لا توازيها آية أصلًا عدمًا، ولما كان قولهم هذا جَدِيرًا بأن لا يصدق، نبه عليه بقوله:{كذلك} أي: الأمر كما ذكرنا عنهم، ولما كان كأنه قيل: هل وقع مثل هذا قط؟ ! قيل: نعم وقع ما هو أعجب منه، وهو أنه {قال الذين من قبلهم مثل قولهم} ثم علله بقوله: {تشابهت قلوبهم} أي: قلوب هؤلاء، ومن قبلهم في