متوسطًا، وفيهم من يكون عاميًا محضًا مقلدًا، وهذا كلامه.
أقول: وفيهم من يكون مجادلًا للمنافق، والذي فسرنا الأميّ به، من أنَّه الذي لا يحسن القراءة ولا الكتابة، هو المعروف من كلام العرب والمستفيض فيما بينهم، وكأن الأمي نسبة إلى أمه، لأنَّ الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه، ويجوز أن يراد بالأمي المعنى الأعم وهو: من لا يحسن الكتابة، ومن يحسنها ولكنه غليظ الطبع، بعيد عن الفهم، قال في القاموس: والأمي: العيي الجلف الجافي القليل الكلام، انتهى.
وقد وصف تعالى أولئك بقوله:{لا يعلمون الكتاب}، أي: لا يعرفون التوراة ليطالعوها ويتحققوا ما في تضاعيفها من دلائل النبوة فيؤمنوا، أو أنهم لا يعرفون إلَّا القراءة الخالية عن التدبر والفهم، المقرونة بالتمني، ولذا قال {إلَّا أماني}، جمع "أمنية"، وهي تقدير الوقوع فيما يترامى إليه الأمل، والمعنى: إذا كانت الأماني مما يصح وصفه بالعلم فهي لهم، لا غيرها من جميع أنواعه، وقيل: الأماني بمعنى الأكاذيب، والمعنى عليه: لا يعلمون الكتاب إلَّا أماني، أي: أكاذيب مختلقة سمعوها من علمائهم فتقبلوها على التقليد، وهذا يساعده إخبار الله تعالى عنهم بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه, أي: أن أسلافهم حرفوا الكلام، ومزجوا شرحها بالأكاذيب والتمويه والتضليل، وهؤلاء أخذوا ذلك منهم من غير تمحيص ولا نظر، يساعده قوله تعالى:{وإن هم إلَّا يظنون}، أي: ما هم إلَّا قوم قصارى أمرهم التقليد والظن، من غير أن يصلوا إلى رتبة العلم، فأنى يرجى منهم الإيمان المؤسس على قواعد اليقين، وفي الإتيان بـ {إن} التي معناها النفي، والاستثناء بـ {إلَّا} تأكيد لنفي العلم عنهم.
ولما ذم الله تعالى من لا يعلم، عُلم أن المعارف كسبية لا ضرورية.
ويؤخذ من أحكام هذه الآية: أن الاكتفاء بالظن في أصول الدين غير جائز، وأن التقليد لا يعد علمًا, لأنَّه أخذ قول الغير بلا دليل، ومثل هذا لا يليق أن