للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكذلك لا يكون الإيمان منجيًا لهذه الأمة إلَّا بالعمل بما في كتاب الله وشرعه، عملًا خالصًا لله تعالى (١).

فلذلك ذكر الله تعالى هذه الآية تقريعًا لليهود، وإرشادًا لهذه الأمة أن لا يقتدوا بأولئك.

ثم إن {الطور} اسم للجبل المعهود الذي وقعت المناجاة عليه، ومن الملاحدة من أنكر هذه القضية، وقال: لا يمكن وقوف الثقيل في الهواء بلا عماد، ثم اعترض عليهم بوقوف الأرض أو حركتها وهي في الفضاء، فقالوا: إنَّما كانت كذلك لأنَّها بطبعها طالبة للمركز، فلا جرم وقفت به. وهذا منهم إنكار لقدرة الله تعالى، الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها، وهو تعالى قادر على جميع الممكنات، ووقوف الثقيل من جملة الممكنات فوجب أن يكون الله قادرًا عليه.

وقوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: ٢]، إشارة إلى الجاذبية لأنها لا ترى، فالأفلاك كلها المستقر منها والمتحرك إنَّما حصَّل وظيفته بالجاذبية المخلوقة لله تعالى، والقوم إن أنكروا وجودها عدوًا جاهلين، وإن أثبتوها قيل لهم: إذا كان خالق الأكوان هو المتصرف في الجاذبية التي تجذب تلك الكرات العظيمة، فكيف يعجزه أن يسلط جزءًا منها على رفع جبل، هو ذرة بالنسبة إلى جبل عظيم من الأجرام العلوية.

وقد يقول البعض: إن هذا خطاب لمن كان بين ظهراني رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -، من أهل الكتاب في أيامه، وهم لم يفعلوا شيئًا مما ذكر، فكيف يخاطبون بذلك؟ فيقال له: هذا وإن كان خبرًا من أسلافهم، لكنَّه خرج مخرج الخبر عنهم، على نحو ما كانت تفعله العرب، من أن القبيلة كانت تخاطب القبيلة عند الفخار أو غيره، بما مضى من فعل أسلاف المخاطِب، بأسلاف المخاطَب، فتضيف فعل أسلاف المخاطب إلى نفسها فتقول: فعلنا بكم، وفعلنا بكم.


(١) أجمل المؤلف - رحمه الله - هنا، ما كان الواجب تفصيله، للخلاف المعروف في كتب العقائد. واقتصر على ما نقله البقاعي رحمه الله.

<<  <   >  >>