للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب سبح في الأرض والماء، وقدس في الأرض، إذا ذهب فيها وأبعد، ولما تضمن قولهم هذا أنهم نسبوا أنفسهم إلى العلم المثمر للإحسان، ونسبوا الخليفة إلى الجهل المنتج للإساءة، أعلمنا سبحانه وتعالى لنشكره أنه حاج ملائكته عنا، فبين لهم أن الأمر على خلاف ما ظنوا، بقوله، على سبيل الاستئناف: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يعني: أن الخيرات الحاصلة من أجل تركيب العالم السفلي أكثر من الشرور الحاصلة فيهما، والحكمة تقتضي إيجاد ما هذا شأنه لا تركه.

ولما أعلم سبحانه وتعالى الملائكة أن الأمر على خلاف ما ظنوا، شرع في إقامة الدليل عليه فقال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١)}. تكلف الناس لاشتقاق لفظ "آدم" تكلفات بعيدة، فبعضهم قال: مشتق من الأدمة، وهي السمرة. وبعضهم قال: مشتق من أديم الأرض، وهو وجهها، ومنهم من قال غير ذلك. والحق: أن لفظ "آدم" أعجمي لا ينطبق على الاشتقاقات العربية، وإنما يلهج بمثل هذا أقوام صرفوا أوقاتهم في الاشتغال بالألفاظ، وأضربوا عن جانب المعنى، فتراهم يتكلفون لاشتقاقاتها، ولو كانت من غير لغتهم، ثم إنهم يبنون على تلك الاشتقاقات تعليلات وحكايات يخترعونها، لم تتطابق نقلًا ولا عقلًا، وتفسير كتاب الله تعالى في غنى عنها.

ثم إن المفسرين جالوا في ميدان تفسير الأسماء التي علمها الله آدم عليه السلام، وأطالوا النفس في هذا الموضوع، وتبعهم علماء الأصول، فأنشؤوا المقالات الباحثة عن كون اللغات وضعية وضعها كل قوم حسب اصطلاحهم، أم هي توقيفية لا تعلم إلا بوحي من الله تعالى، فمن قائل بأنها توقيفية، وأن الله تعالى علم آدم جميع الأسماء التي يتعارف بها الناس، من إنسان ودابة، وأرض وسهل وجبل وبحر، وأشباه ذلك وهؤلاء يعممون القول، فيقولون: علمه جميع

<<  <   >  >>