ومن ثم قال الأستاذ أبو القاسم القشيري، ما معناه: الذين يسألون عن الجبال، وعن اليتامى، وعن المحيض، ونحوها، يجابون بالواسطة، أي: بلفظ {قُلْ} أو {فَقُلْ}، وأما الذين يسألون عني، فأنا أرفع الوسائط بيني وبينهم.
وقال الإمام ناصر الدين بن الميلق، ما معناه: أنه سبحانه، لما كان قد تعرف إلى عباده؛ بأفعاله وآياته، وما ركز في العقول من معرفته، كان حذف الواسطة في الإخبار عنه، بخلاف الأهلة ونحوها، فإن العقول لا تستقل بمعرفتها، فكأن الإخبار عنها بواسطة الرسول، الذي لا تعرف إلا من جهته أنسب.
وقوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}، أي قال: هل يسمع دعاءنا ربنا؟ وهل إذا سمع دعاءنا يجيبنا إلى مطلوبنا؟ وهل يفعل ما نسأله؟ ويرى تضرعهم؟ فكأن الجواب منه تعالى: بأني قريب أسمع دعاءهم، وأرى تضرعهم، ولا يخفى علي شيء، مما تكنه ضمائرهم، وهذا هو معنى {قَرِيبٌ} في هذه الآية.
ويدل لهذا ما أخرجه البيهقي في كتابه "الأسماء والصفات"، بسنده إلى أبي موسى الأشعري، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كلما أشرفنا على وادٍ هلّلنا وسبحنا، وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه معكم سميع قريب"(١). ورواه البخاري في الصحيح، عن محمد بن يوسف الفريابي، وأخرجه البخاري ومسلم من أوجه أُخر؛ ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه وابن مردويه؛ ورواه خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، وزاد فيه:
"إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته".
قال الحليمي: ومعنى القريب أنه لا مسافة بين العبد وبينه، فلا يسمع دعاءه، ويخفى عليه حاله، كيفما تصرفت به، فإن ذلك يوجب أن تكون له نهاية، وحاشى له من النهاية.
(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٧٨٦٤، و"السنة" لابن أبي عاصم ٦١٨، ٦١٩.