قالوا: إننا مضمخون بالذنوب والمعاصي، فلا يليق بنا أن نخاطب الحضرة الإلهية رأسًا، فوجب علينا أن نجعل وسائط طاهرة من الذنوب، ثم أنهم يلجؤون إلى واحد من المقبورين، فيجعلونه واسطة.
قيل لهم أولًا: من أخبركم بأن واسطتكم بريئة من الذنوب؟ وأنها في مقام القرب من الله تعالى؟ لأن دعوى مثل ذلك، لما عدا الأنبياء عليهم السلام، غيّ وجهل، ولئن سلمت براءتهم من الذنوب، فقد ذم الله تعالى عبّاد الأصنام، وأخبر عنهم بأنهم قالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣].
فإن قالوا: إن هؤلاء عبدوهم! ونحن لم نعبد الوسائط.
قيل لهم: إن نفيتم العبادة الاصطلاحية، والقرآن لم ينزل على اصطلاح اتخذتموه لأنفسكم، بل نزل بلغة العرب.
وقد قال أهل اللغة، في قوله تعالى حكاية:{وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}[المائدة: ٦٠]، أي: خدم الطاغوت، فأولئك لم يصلّوا ولم يصوموا للطاغوت، ولكنهم خضعوا له، وخدموه خدمة العبد لسيده.
والعبادة: هي الذل، والخضوع، والانقياد.
وأيضًا فإن الله تعالى يقبل على عبده العاصي إذا دعاه، ويفرح بتوبته، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، ويجيب دعوة المضطر إذا دعاه، بلا واسطة مخلوق، والواسطة إليه تعالى، والوسيلة إنما هي التوبة، والتذلل بباب عزّه، والثناء عليه بما هو أهله، وشكره واتباع أمره واجتناب نهيه، ليس إلا، ألا ينظر البعيد عن حضرته تعالى، إلى قوله سبحانه:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، ولم يشترط هنا واسطة مخلوق، بل أرشد إلى الثناء عليه في الآية التي قبلها، على ما بيناه سابقًا، فخذ ما أرشدناك إليه، واهجر الدسائس والوساوس والزخارف مليًا.