أرشدنا تعالى إلى ذلك في فاتحة الكتاب، حيث علمنا الثناء أولًا، ثم عقبه بقوله، آمرًا لنا أن نقول:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
وأخبر تعالى عن الخليل عليه السلام، أنه قدم الثناء على الدعاء، حاكيًا عنه أنه قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)} [الشعراء]، إلى قوله: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)} [الشعراء]. وكل هذا ثناء منه على الله تعالى، ثم شرع بعده في الدعاء فقال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣)} [الشعراء].
وفي الآية إشارة أيضًا إلى فضيلة الدعاء في الصوم، لأنه تعالى، بعد أن بيّن وجوب الصوم، وبين أحكامه، قال:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} إلى ما فيه لكم السعادة في الأولى، والعقبى، والتكبير إنما هو الذكر؛ ثم أرشد إلى الشكر.
ثم بيّن أن سبحانه وتعالى يفيض على العبد أنواع برّه وكرمه إذا امتثل أمره، فقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الآية، وأيضًا فإن الصوم، لما كان فيه من إظهار العبودية ما لا يخفى، أرشد عباده إلى تمامها بالخضوع والتضرع والدعاء، فإن العبد لا غنى له عن سيده؛ وقوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}، أي: هل أنا على حال المتكبرين من ملوك الدنيا في البعد عمن دونهم؟
فأخبرهم: أني لست كذلك، وفيه إيماء إلى غلط الذين يضربون لله الأمثال بجهلهم، فيقولون: لا بد لنا من الواسطة؛ ثم إنهم يستدلون بأنه، كما أن الملوك لا يصل إليهم قاصدهم، إلا بواسطة أعوانهم، فكذا الله تعالى، لن يصل إليه أحد إلا بواسطة واحد من أهل القبور، ويجعلون وساطتهم دينًا.
فيجابون أولًا بهذه الآية الكريمة؛ وثانيًا بأن الملوك، لما كانوا لا يدرون بما وراء جدرانهم، احتاجوا إلى مبلّغ يبلغهم حاجة المضطر والملهوف، والله تعالى {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧)} [طه]، فلو كان محتاجًا إلى الواسطة، للزم أن لا يكون عالمًا بأسرار عباده، واللازم باطل بالإجماع.