للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سائرة إلى الأمام، ولقد شاهدنا الشرر الكهربائي ليلًا من سلك في بيروت ونحن في جبل لبنان، فرأينا لا فرق بينه وبين البرق بوجه من الوجوه، إلا بالعلو والسفل، وهذا يتبين بما قاله الحكماء المتأخرون من أن الكهربائية موجودة في كل شيء بلا فرق، بين السحاب وغيره، فإذا تقاربت سحابتان كهربائيتان، إحداهما مثبتة والأخرى منفية (١)، لم يقو الهواء على الفصل بينهما تجاذبتا حتى تصيرا على بعد محدود، فتقدم كل واحدة منهما إلى الأخرى بشدة، فيظهر منهما نور هو البرق، ويسمع بعده دوي هو الرعد، فإن قوي الهواء على الفصل بينهما، وقاربت السحب من الأرض انقضت الشرارة الكهربائية أحيانًا منهما، فتنزل صاعقة تهلك ما تصيبه.

وبالجملة فإن هذا من فعل القادر المختار، ومن آثار قدرته الباهرة سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق}، جوابٌ عما عسى قائل يقول:

كيف حالهم مع مثل ذلك البرق والرعد والظلمات؟ .

فقيل: يجعلون أصابعهم في آذانهم، أي: أناملهم، فأطلق الكل وأراد البعض، على سبيل الاتساعات في اللغة، وفي ذكر الأصابع من المبالغة ما لا يوجد في الأنامل، و {من الصواعق} متعلق بـ {يجعلون}، أي: من أجل الصواعق، و {حذر الموت}، مفعول له للجعل المعلل بقوله: {من الصواعق} وقوله: {والله محيط بالكافرين}، جملة اعتراضية، فائدتها التنبيه على أن الحذر من الموت لا يفيد، وإنما قال: {محيط بالكافرين}، مع أن المقام للضمير، فكان حق المقال أن يقال: والله محيط بهم، للدلالة على أن المشبه حالهم بحال أصحاب الصيّب كفار، ليظهر استحقاقهم شدة الأمر عليهم، وإحاطة الله بالكافرين، مجاز شبه شمول قدرته تعالى إياهم، بإحاطة المحيط بما أحاط به، في امتناع الفوات، على سبيل الاستعارة التبعية، في الصفة التي هي محيط سارية إليها من مصدرها، ويصح أن يكون على سبيل الاستعارة التمثيلية بأن شبه حاله تعالى


(١) المعبر عنه بالسالب والموجب.

<<  <   >  >>