للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على وجه العبادة له به- دون التحريم الذي لم يزل متعبَّدًا (١) لها به على وجه الكلاءة والحفظ لها قبل ذلك- كان عن مسألة إبراهيمَ ربَّه إيجاب فرض ذلك على لسانه، [وهو الذي] (٢) لزم العباد فرضه دون غيره، وإلى هذا مال ابن جرير، وأقره، وبه يندفع عن الأحاديث الواردة ما يظن أنه متناقض من قوله: "إن إبراهيم حرم مكة"، "وإن الله حرم مكة".

ولما ذكر تعالى الأمن أتبعه الرزق فقال {وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر} وذلك أن إبراهيم لما بنى البيت في أرض مقفرة، وكان حال من يتمدن من الأماكن يحتاج فيه إلى ماء يجري، ومزرعة يمكن فيها القطان بالمدينة، دعا الله للبلد بالأمن، وبأن تجبى له الأرزاق، فإنه إذا كان البلد ذا أمن، أمكن وفود التجار إليه لطلب الربح، ولما سمع في الإمامة قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} قيد هنا من سأل له الرزق، فقال: {من آمن منهم بالله واليوم الآخر} والضمير في {منهم} عائد إلى {أهله}، دعا لمؤمنهم بالأمن والخصب، لأن الكافر لا يدعى له بذلك، ألا ترى أن قريشًا لما طغت دعا عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اللهم اشدد وطأتك على مُضَر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" (٣) وكانت مكة إذ ذاك قفرًا لا ماء فيها ولا نبات، كما قال: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: ٣٧]، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيره، وأنبت الله فيها أنواعًا من الثمر، قال البرهان البقاعي في تفسيره: قال: {من الثمرات} ولم يقل: من الحبوب، لما في تعاطيها من الذل المنافي للأمن، لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، رأى سكة حرث فقال: "ما دخلت هذه بيتًا إلا ذل" (٤) انتهى.

أقول: الدليل لا يفيد المدعى، لأن الحبوب كما تحتاج إلى السكة للحرث


(١) الأصل: (متعودًا) والتصحيح من الطبري.
(٢) قال الأستاذ شاكر في تحقيقه للطبري: ما بين القوسين زيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام.
(٣) أخرجه البخاري (٨٠٤)، ومسلم (٦٧٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) لم أجده، والمؤلف نقله عن البقاعي، وهو عن الحرالّي.

<<  <   >  >>