للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالسماوات عندهم عبارة عن هذه الدوائر بما فيها من الكواكب الكثيرة، وأرجعوا كونها طباقًا إلى معنى، أن الكواكب الثابتة سبع طبقات، فما كان منها يرى في غاية الظهور والإضاءة فهو الطبقة الأولى، ويسمونها بالمرتبة الأولى، والقدر الأول، وما كان أبعد منها غير كثير وأقل في الظهور والإضاءة، بمقدار يسير، فهو الطبقة الثانية، وهكذا إلى الطبقة السادسة، كل طبقة ترى كواكبها أبعد من التي تحتها، وأقل منها ظهورًا واستنارة، والطبقة السابعة هي التي لا ترى كواكبها إلا بالمنظرة المعظمة، فهذه الطبقات عندهم هي طباق السماوات، وإذا أورد عليهم قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: ٥] قالوا: السماء الدنيا، عبارة عن الدوائر الشمسية التي نحن فيها، المزينة بما فيها من السيارة، وسيارة السيارة، وذوات الأذناب، وغيرها، من متعلقاتها.

على أننا لسنا الآن بصدد بيان علم الهيئة، ولا أننا نبين أمثال هذا لنوضح به اعتقادنا، ولكننا نورد أمثاله، لبيان أن البحث عن أشكال الأرض وأوضاعها، والسماوات ونجومها وأفلاكها، لا ينافيه القرآن، كما يعلمه من تدبره بعقل وفهم، والحقيقة ربما تكون على خلاف ما يقره علماء الهيئة وغيرهم، والله أعلم بحقائق الأمور.

وأما قوله: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} فإنه يشير إلى شيء عجيب في القدرة العظيمة، وذلك أنه تعالى لما خلق الأرض، وكانت كالدخان، ثم صارت ماء، وإليه الإشارة بقوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧]، ثم صارت كالصدف والدرة المودعة فيه هي آدم وأولاده، وخلق في تلك الأرض أصناف حاجاتهم، وعلم آدم أسماءها كلها، وألهمه إلى أنها مخلوقة له، كما قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] فكأنه قال: يا آدم لا أحوجك إلى شيء غير هذه الأرض، التي هي لك كالأم، فانظر يا عبدي، إن أعز الأشياء عندك الذهب والفضة، ولو أني خلقت الأرض منهما، هل كان يحصل منها هذه

<<  <   >  >>