للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{منع} أو مفعولًا لأجله، بمعنى منعها كراهية أن يذكر فيها اسم الله، وهو حكم عام لجنس مساجد الله، وأن مانعها من ذكر الله مفرط في الظلم، وكنى بذكر الله عما يقع في المساجد من الصلوات والتقربات إلى الله تعالى، بالأفعال القلبية والقالبية، من تلاوة كتبه، وحركات الجسم من القيام والركوع، والسجود والقعود، الذي تعبد به، وإنما ذكر تعلق المنع بذكر اسم الله، تنبيهًا على أنهم منعوا من أيسر الأشياء، وهو التلفظ باسم الله، فمنعهم لما سواه أولى.

قال ابن عطية: وهذه الآية تتناول كل من منع من مسجد إلى يوم القيامة، أو خرب مدينة إسلام، لأنها مساجد وإن لم تكن موقوفة، إذ الأرض كلها مسجد لما في الصحيح، "وجعلت في الأرض مسجدًا وطهورًا" (١).

وقوله: {وسعى في خرابها} معناه إما حقيقة بأن خربها واستبدل بها الدور والمساكن والخانات، كما جرى ذلك في زمننا وفي الأزمنة السابقة عليه، من أن المتولين على المساجد والمدارس تحيلوا لاختلاس أوقافها، بحيل أسندوها إلى الشرع، وسموها بالمرصد والكدك والحكر، وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، ثم لما ذهبت الأوقاف وضعوا أيديهم على المساجد، وعلى المدارس ومساجدها فخربوها، وابتنوا مكانها دورًا للسكنى، وحوانيت وخانات، ومنازل للأجرة، فهل الخراب إلَّا مثل هذا؟

وإما مجازًا بانقطاع الذكر فيها ومنع قاصديها منها، إذ ذاك يؤول بها إلى الخراب، فجعل المنع خرابًا، كما جعل التعاهد بالذكر والصلاة عمارة، وذلك مجاز.

وقال: {ومن أظلم} ليعلم أن قبح الاعتقاد يورث تخريب المساجد، كما أن حسن الاعتقاد يورث عمارة المساجد، ومن هذا النوع ما اصطلح عليه حكام زمننا والذي قبله، من منع الإمام إذا كان أهلًا للإمامة، وتولية الجاهل بدلًا منه، وتوجيه التدريس المشروط في مسجد ومدرسة للجاهل، ومنع العالم، فإذا تولى


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" (١٠٥٦)، و "إرواء الغليل" (٢٨٥).

<<  <   >  >>