وعندي: أن هذه الأقوال كلها سرت من اليهود، أما كونها نزلت في النصارى أو بختنصر، فذلك غلط كما صرح به أبو بكر الرازي في كتابه "أحكام القرآن"، لأنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير أن عهد بختنصر كان قبل مولد المسيح عليه السلام بدهر طويل، والنصارى كانوا بعد المسيح، فكيف يكونون مع بختنصر في تخريب بيت المقدس، وأيضًا فإن النصارى يعتقدون تعظيم بيت المقدس مثل اعتقاد اليهود وأكثر، فكيف أعانوا على تخريبه، ومن هذا يعلم الخطأ في بقية الأقوال.
وأقول: الأولى في تفسير هذه الآية والله أعلم: أنه لما غير اليهود والنصارى الذين ذكرهم الله تعالى في الآية السابقة، وبدلوا دينهم، سعوا في منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، على سبيل التوحيد الحقيقي، الذي هو إفراد الحق بالوحدانية، وأبدلتها النصارى بجعلها مواضع للصور والصلبان. وأخرجتها اليهود عن حقيقتها التي وضعت لها أيام سيدنا موسى والأنبياء من بعده عليهم السلام. وشاركهم المشركون فجعلوا الكعبة البيت الحرام محلًا لأصنامهم، وصدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، ومنعوه في مبدأ الأمر عن إظهار دينه به. أنزل تعالى هذه الآية مبينًا قبيح أفعالهم وأفعال من كان على شاكلتهم.
والذي يقوي هذا التفسير أن ظاهر الآية العموم في كل مانع، وفي كل مسجد، والعموم وإن كان سبب نزوله خاصًا، فالعبرة به لا بخصوص السبب، وذلك بناء على صحة السبب والقطع به، كيف وأسباب النزول لم يصح منها إلا النزر اليسير، وسنوضح هذا بعد الكلام على تفسير الآية.
فقوله تعالى:{ومن أظلم} مورد الاستفهام ومعناه: النفي، أي: لا أحد أظلم ممن منع، وقد تكرر هذا اللفظ في القرآن، وهذا أول موارده، وقوله:{ممن منع مساجد الله}"من" في [قوله {ممن منع}] (١) في موصولة بمعنى: الذي، وجوز أبو البقاء. أن تكون نكرة موصوفة، و {أن يذكر} ثاني مفعولي