للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصحاب الأوصاف المتقدمة، خسروا بحرمان الله إياهم رحمته التي خلقها لعباده في القيامة، وهم يومئذ أحوج ما يكون إلى رحمته، ويخسرون في الدنيا حظهم من الشرف والكرم، لأنه ما من عامل إلا ويظهر عمله، وهو وإن خفي في المبدأ، لا بد وأن يظهر في المآل كما هو مشاهد ومعلوم، وكتب التاريخ من أقوى الأدلة على ذلك.

ولما تكلم تعالى في دلائل: التوحيد والنبوة، والمعاد إلى هذا الموضع، شرح النعم التي عمت جميع المكلفين من هنا إلى قوله: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٤٠] فقال:

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)}.

ذكرهم في هذه الآية بنعمة الإحياء، مبرزًا الكلام بصورة الاستفهام والاستخبار، لكن المراد به التبكيت والتعنيف، لأن عظم النعمة يقتضي عظم معصية المنعم، ألا ترى أن الوالد كلّما عظمت نعمته على الولد، بأن رباه وعلمه، وخرجه وموّله، وعرضه للأمور الحسان، كانت معصيته لأبيه أعظم، فبين سبحانه وتعالى بذلك عظم ما أقدموا عليه من الكفريات، فذكرهم بنعمه العظيمة عليهم، ليزجرهم بذلك عما أقدموا عليه من التمسك بالكفر، ويبعثهم على اكتساب الإيمان، فذكر تعالى من نعمه ما هو الأصل في النعم، وهو الإحياء، فهذا هو المقصود الكلي.

فإن قيل: ما الحكمة في تصديره تعالى هذه الآية: بـ {كَيْفَ} التي معناها الاستفهام في غالب أحوالها؟ والاستفهام لا يكون إلا ممن خفي عنه حال المستفهم عنه، وهو محال عليه تعالى لأنه علام الغيوب.

قلنا: ليس الاستفهام هنا على حقيقته كما أشرنا إليه سابقًا، لكنه لما كان الحال حال العلم بالصانع، الموجبة للصرف عن الكفر، وكان صدور الكفر ممن لهم صورة اختيار في الترك مع الصارف القوي مظنة تعجب وتعجيب، وإنكار

<<  <   >  >>