للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذه الآية تكذيب لليهود الذين أنكروا نسخ أحكام التوراة، وجحدوا نبوة عيسى، وأنكروا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، لمجيئهما بما جاءا به من عند الله، بتغيير ما غير الله من حكم التوراة، فأخبرهم تعالى: بأنه الفعال المطلق يفعل ما يشاء، ويحكم بما يريد.

وهذا ولما كانت الآية في معرض ذم اليهود والنداء على غباوتهم بإنكارهم النسخ، وكان الله تعالى قد جعل إلى إفحامهم طريقًا مما يتداولونه في أيديهم من نص تنزيلهم، وأعماهم الله عنه عند تبديلهم، ليكون حجة عليهم موجودة في أيديهم؛ اقتضى المقام أن نبين غلطهم وخطأهم من نص كتابهم، فيقال لهم: هل كان قبل نزول التوراة شرع أم لا؟ فإن قالوا: لا؟ كذبهم السفر الأول من التوراة، حيث فيه ما تعريبه من اللغة العبرانية في الكلام على شرع نوح: سافك دم الإنسان يحكم عليه بسفك دمه، لأن الله خلق الآدمي بصورة شريفة. وكذبهم أيضًا الجزء الثالث من السفر من التوراة، الناطق: بأنه كان في شرع إبراهيم ختان المولود في اليوم الثامن من ميلاده. وهذا وأمثاله شرع، لأن الشرع لم يخرج عن كونه أمرًا ونهيًا من الله، سواء أنزل على لسان رسول، أو كتب في أسفار، أو ألواح، أو غير ذلك.

وإن أقروا بأنه قد كان شرع قلنا لهم: فما تقولون في التوراة، هل أتت بزيادة على تلك الشرائع أم لا؟ فإن قالوا: لا، قلنا: قد صارت عبثًا إذ لا زيادة فيها على ما تقدم، ولم تغن شيئًا، فلا يجوز أن تكون صادرة عن الله تعالى، فيلزمكم أن التوراة ليست من عند الله، وذلك كفر على مذهبكم، وإن كانت التوراة أتت بزيادة، فهل في تلك الزيادة تحريم ما كان مباحًا أم لا؟ فإن أنكروا ذلك، بطل قولهم من وجهين:

أحدهما: أن التوراة حرمت الصناعة يوم السبت بعد أن كانت مباحة به، وهذا هو النسخ بعينه.

والثاني: أنه لا معنى للزيادة في الشرع إلا تحريم ما تقدمت إباحته، أو إباحة ما تقدم تحريمه.

<<  <   >  >>