للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العذاب يوقنون بـ {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، فلا وجه أن يقال: لو يرون أن القوة لله جميعًا حينئذٍ، لأنه إنما يقال: "لو رأيت"، لمن لم ير، فأما من قد رآه، فلا معنى لأن يقال له: لو رأيت.

ودخول "لو" و"إذ" على المستقبل مع أنهما للماضي، لينتظم المستقبل في سلك الماضي المقطوع به، لصدور الكلام عمن لا خلاف في أخباره، وقيل: لأن الساعة قريب، فكأنها قد وقعت.

وكذا الكلام في {إِذْ تَبَرَّأَ}، وأنه بدل من {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} وقيل: هو معمول {شَدِيدُ}، من قوله تعالى: {شَدِيدُ الْعِقَابِ}، والبدل أو المتعلق، هو قوله تعالى:

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)}.

التبرؤ: طلب البراءة، وإيقاعها بجد واجتهاد، وهي: إظهار التخلص من وصلة أو اشتباك، أي: وقت ما يتبرأ المتبوعون، وهم الرؤساء والأوثان من أتباعهم، الذين أفنوا عمرهم في عبادتهم، واعتقدوا أنهم من أوكد أسباب نجاتهم فإذا هم تبرؤوا منهم عند احتياجهم إليهم. ونظيره قوله تعالى: {يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت: ٢٥]. وقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧)} [الزخرف].

وقوله: {وَرَأَوُا الْعَذَابَ} معناه: تبرؤوا في حال رؤيتهم العذاب، عندما عجز المتبعون عن تخليصهم مما رأوه من الأهوال والشدائد العظيمة، لأن قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} يدخل في معناه أنهم لم يجدوا إلى تخليص أنفسهم وأتباعهم سببًا، والآيس من وجه يرجو به الخلاص مما نزل به بأوليائه من البلاء،

<<  <   >  >>