ومعنى {وَفِي الرِّقَابِ}، معاونة المكاتبين حتى يفكوا رقابهم المسترقة التي يرام فكها بالكتابة؛ ومنه فك الأسرى؛ وقيل: في ابتياع الرقاب واعتاقها؛ والأولى أن يجعل عامًا في الكل.
ولما ذكر تعالى مواساة الخلق، وقدمها حثًا على مزيد الاهتمام بها, لتسمح النفس بما زين لها حبه من المال، أتبعها حقه تعالى فقال:{وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} أي: أدام العمل بها بحدودها، والمحافظة عليها، {وَآتَى الزَّكَاةَ} أعطاها على مقتضى ما فرضه الله عليه.
فقوله:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} حث على الصدقة المندوبة، وهنا حث على المفروضة، وفي الاقتصار فيها على الإيتاء، إشعار بأن إخراج المال على هذا الوجه، لا يكون إلا مع الإخلاص.
{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} هم الذين لا ينقضون عهد الله بعد المعاهدة، ولكن يوفون به ويتمونه على ما عاهدوا عليه، من عاهدوه عليه، وهو عام للعهد مع الله أو مع الناس، و {الْمُوفُونَ} عطف على {مَنْ آمَنَ} وقيل: رفعه على إضمار: {و} هم {الْمُوفُونَ}.
وقوله:{وَالصَّابِرِينَ} منصوب على الاختصاص والمدح، إظهارًا لفضل الصبر في الشدائد، ومواطن القتال على سائر الأعمال. وقرئ: و"الصابرون"، وقرئ "الموفون والصابرون"(١)، و {فِي الْبَأْسَاءِ} أي: عند حلول الشدة بهم في أنفسهم من الله بلا واسطة، أو منه بواسطة العباد، وقال في "الكشاف": الفقر والشدة، {وَالضَّرَّاءِ} المرض والزمانة. انتهى.
والأولى أن يفسر بكل ما يضر، سواء كان الضرر في الأبدان، أو في الأموال، وفسرها في "القاموس" بالشدة، والنقص في الأموال والأنفس، فهو حينئذ أعم، ليكون الأخص مذكورًا مرتين، مرة في ضمن الأعم، وهو "البأساء"،
(١) ينظر "الفخر الرازي" ٥/ ٤٩ وفيه: واعلم أن من الناس من قرأ (والموفين والصابرين) ومنهم من قرأ (والموفون والصابرون).