للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصورهم، وتخريب لها بعد تخريب {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: ٥٦]، وهو مناسب للوصف الثاني، وهو سعيهم في تخريب المساجد، فجوزوا على ذلك بتخريب صورهم، وتمزيقها بالعذاب.

ومن غريب التفسير هنا، ما رواه ابن جرير عن السدي بأن خزيهم في الدنيا: أنه إذا قام "المهدي" وفتحت القسطنطينية، قتلهم. وغرابته أن القسطنطينية فتحها المرحوم السلطان "محمد الفاتح" المشهور من بني عثمان، فإن كان هو المهدي فلا إشكال، وإن لم يكن هو فأين ما زعمه السدي؟ وقد كشفنا حقيقة هذا المنتظر في كتابنا "الأجوبة النجدية"، وكتابنا الثاني "الأجوبة القازانية".

ومن غريبه أيضًا ما ذكره القشيري: من أن الإشارة في هذه الآية إلى ظلم من خرب أوطان المعرفة بالمنى والعلاقات، وهي قلوب العارفين وأوطان العبادة، بالشهوات وهي نفوس العباد، وأوطان المحبة بالحظوظ، والمساكنات وهي أرواح الواجدين، وأوطان المشاهدات، بالالتفات إلى القربات وهي أسرار الموحدين، لهم في الدنيا خزي، ذل الحجاب، وفي الآخرة عذاب لاقتناعهم بالدرجات انتهى.

قال أبو حيان: وهو تفسير عجيب، ينبو عنه لفظ القرآن، وكذا أكثر ما يقوله هؤلاء القوم، انتهى.

ولقد رأينا تفاسير عدة على هذا النمط، وأكثرها أخرج القرآن عن موضوعه، وعندي أن هذا سرى لأهلها من الباطنية، ومن تأمل كتبهم، علم أن المورد متشابه، ولم يقصد الباطنية بذلك إلا هدم القرآن والشرع، وكثيرًا ما ينحو هذا المنحى "الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري" في كتابه "غرائب القرآن، ورغائب الفرقان" الذي اختصر به تفسير فخر الدين الرازي، ونحن لا نظن به إلا خيرًا، ولكن الواجب عدم التقليد والاستضاءة بمصباح علام الغيوب، واجتناب دسائس الباطنية غاية الاجتناب، ولا يقدر على ذلك إلا من عرف مسالكهم، وطالع الكثير من كتبهم، وفرق بين التصوف الحقيقي وبين الممزوج بكلام أهل الإلحاد.

<<  <   >  >>