صعصعة، حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام، وحرموا البحيرة والسوائب والوصيلة والحام.
وأيًا ما كان سبب نزولها، فهو خاص واللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. ومن ثم قال الحسن البصري: نزلت في كل من حرم على نفسه شيئًا لم يحرمه الله عليه. انتهى.
فالمعنى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا} أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي، فطيبته لكم، مما تحرمونه على أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل، وما أشبه ذلك مما لم أحرمه عليكم، دون ما حرمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجسته، من ميتة ودم ولحم خنزير، وما أهل به لغيري، ودعوا {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} الذي يؤنبكم فيهلككم، ويوردكم موارد العطب، ويحرم عليكم أموالكم، فلا تتبعوها ولا تعملوا بها، {إِنَّهُ}، أي: الشيطان {لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} قد أبان عداوته لكم منذ القدم، فأغوى أباكم آدم بالأكل من الشجرة، حتى أخرجه من الجنة، فلا تتخذوه ناصحًا مع إبانته لكم العداوة، ودعوا ما يأمركم به، والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه، مما أحللته لكم وحرمته عليكم، دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم، وحللتموه طاعة للشيطان، واتباعًا لأمره، لأنه {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}، من خبائث الأنفس الباطنة، التي يورث فعلها مساءة، ويأمركم بما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة، مما ينكره العقل، ويستخبثه الشرع، فيتفق في حكمه آيات الله الثلاث، من الشرع والعقل والطبع، فبذلك يفحش الفعل.
{وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، مما تستقبحون قوله في أقل الموجودات من إشراك به؛ وادعاء ولد له؛ وتحليل ما لم يحلل؛ وتحريم ما لم يحرم، طاعة منكم للشيطان، واتباعًا لخطواته؛ واقتفاءً منكم آثار أسلافكم الضلال، وآبائكم الجهّال، الذين كانوا بالله وبما أنزل على رسوله جهَّالًا، وعن الحق ومنهاجه ضلّالًا، فصرتم على حد قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}[البقرة: ١٧٠].