فما استدل به الإباحيون والاشتراكيون، من هذه الآية من أنها تدل على أنه تعالى أخبرنا بأنه خلق الكل للكل، فلا يكون لأحد اختصاص بشيء أصلًا، إنما هو قول باطل مصادم لشرائع الأنبياء، وهذه الطائفة موجودة في زمننا هذا، ويقال لهم:"الاشتراكيون"(١)، وطريقتهم وطريقة الدهرية واحدة، وهم يزعمون ظاهرًا أنهم سند الضعفاء والمطالبون بحقوق المساكين والفقراء؛ وما قصدهم باطنًا إلا رفع الامتيازات الإنسانية كافة، وإباحة الكل في الكل، وإشراك الكل في الكل، وهم لا يستدلون بهذه الآية ولا غيرها، ولكن البعض منهم إذا لاحَى متدينًا عارضه بها، ولكن استنادهم على أن جميع المشتهيات الموجودة على سطح الأرض منحة من الطبيعة، وفيض من فيوضها، وأن جميع الأحياء سواء في التمتع بها، وأن اختصاص فرد من الإنسان بفرد منها دون سائر الأفراد، بدعة في شرع الطبيعة، سيئة يجب محوها والإراحة منها.
قال المنقبون، فيما ترمي إليه هذه الفرقة: إن من مزاعمهم: أن الدين والملك عقبتان عظيمتان، وسدّان منيعان، يعترضان بين أبناء الطبيعة، ونشر شريعتها التي هي الإباحة والاشتراك، وليس يوجد مانع أشد من هذين المانعين، فالواجب على طلاب الحق الطبيعي، أن ينقضوا هذين الأساسين، ويبيدوا الملوك ورؤساء الأديان، ثم بعد أن يصلوا إلى غايتهم يعمدوا إلى الملاك وأهل السعة في الرزق، ويطالبوهم بأحد أمرين: إما بالانقياد لشرع الطبيعة، وإما بقتلهم وإبادتهم، حتى يعتبر بهم من يكون على شاكلتهم، فلا يعصون أحكام شرعهم، ثم إنهم فكروا في كيفية نشر أفكارهم، فوجدوا أحسن وسيلة إنما هي زرع بذور الفساد، في أذهان الأحداث بالتعليم، إما بإنشاء المدارس بدعوى نشر المعارف، أو بالدخول في سلك المعلمين في مدارس غيرهم، ليقرروا أصولهم في أذهان الأطفال وهم في طور السذاجة، فتنتقش المدارك في أذهانهم على التدريج؛
(١) يقصد المؤلف- رحمه الله- الشيوعية التي كانت منتشرة في أيامه ... وكانت المتحكمة في بلاد روسية وغيرها ... ثم شهدنا فشلها وتوزع الاتحاد السوفياتي إلى دويلات كفرت كلها بالماركسية. وتحررت بعض البلاد الإسلامية التي كانت تحت حكمها- والحمد لله-.