وتوبيخ، صار كأنه قيل لهم: ما أعجب كفركم، والحال أنكم عالمون بهذه القصة وهي أنكم {كُنْتُمْ أَمْوَاتًا}، أي: نطفًا في أصلاب آبائكم، فجعلكم أحياء، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} بعد هذه الحياة، وهذه مما لا يشك فيها، لأنها من المشاهدات، ثم أردفها بالقضايا التي لا يشك فيها أيضًا لنصب الأدلة عليها وإزاحة العلة عنها، والدليل على أن المراد من قوله تعالى:{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا}، أي: غير موجودين، الإتيان بـ {كُنْتُمْ} الدالة على المضي, والعرب تقول للشي الدارس، والأمر الخامل الذكر: هذا شيء ميت، وهذا أمر ميت، يراد بوصفه بالموت خمول ذكره، ودروس أثره من الناس، وكذلك يقال في ضد ذلك وخلافه: هذا أمر حي، يراد بوصفه بذلك: أنه نابه متعالم في الناس.
وقوله:{فَأَحْيَاكُمْ} أي: بإنشائكم بشرًا سويًا، حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} بقبض أرواحكم وإعادتكم رفاتًا لا تعرفون ولا تذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث الساعة، وصيحة القيامة، ثم إلى الله ترجعون بعد ذلك فتردون موقف الحساب، وتأتون ديوان الجزاء، فمردكم إليه أولًا وآخرًا.
والحاصل: أنه تعالى بين في هذه الآية، أن المبدأ والمعاد إنما هو بأمره سبحانه وتعالى، ليجمل في الرد على المشركين، ثم فصله في آيات كثيرة في القرآن العظيم، وذلك أن العرب الذين كانوا حين نزل القرآن، وإرسال محمد - صلى الله عليه وسلم -، أصنافًا شتى، فمنهم معطلة، ومنهم محصلة، نوع تحصيل، فأما المعطلة فهم أصناف، فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة، وقالوا بالطبع المحيي، والدهر المفني، وهم الذين رد الله عليهم في هذه الآية، وأخبر عنهم في آية أخرى أنهم قالوا:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٤] إشارة إلى الطبائع المحسوسة، وقصر الحياة والموت على تركبها وتحللها، فالجامع هو الطبع، والمهلك هو الدهر، {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤)} [الجاثية]، فاستدل عليهم