تفسير كتاب الله تعالى، غير منبهين على مقاصدها، فعلق الناس بها وجعلوها من جملة الآثار، وفطن لها بعض المحققين من علماء هذه الملة، فزيفوها وبينوا المقاصد منها.
وممن صرح بأن حكاية الزهرة مع هاروت وماروت مخترعة على سبيل الخرافات، العلامة المحقق "عبد الحكيم السيالكوتي" في حاشيته على شرح المواقف، فإنه قال عند قول صاحب المواقف:"وأما الرؤيا فخيال باطل عند المتكلمين". ما لفظه: أي: تجعله إحساسًا بشيء وليس ذلك بإحساس، لانتفاء شرائطه الحقيقية أو العادية، وهذا لا ينافي كونه حكاية عن أمر ثابت في نفس الأمر، موجبًا لعلمه بعد التعبير، كالحكايات المخترعة للمعارف الحقيقية، كقصة هاروت وماروت، وسلامان، وإبسال. انتهى.
فصرح بأن هاتين الحكايتين وأمثالهما مما اخترع للمعارف الحقيقية، فظن بعض من لا إلمام له بالحقائق: أنها هي الحقيقة ذاتها، ويحتمل أن ابن عباس وغيره ممن رويت عنه تلك الحكايات - إن صحت الرواية، أنهم ذكروها على سبيل المثال، وحكاية رمز القدماء لعلومهم، فأخذها الراوون عنهم مسلمة على ظاهرها، فتفطَّنْ لِذلك، ومحِّص ما يصل إليك من العلوم، وزنه بميزان العقل تظفر بالهدى (١).
الأمر الثاني: دلت الآية على كون السحر يؤثر في أمور غريبة، كما قال تعالى:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة: ١٠٢] ودلت عليه السنة كقصة لبيد بن الأعصم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي مروية في كتاب الطب من صحيح الإمام البخاري، ومن أنكره من القدرية فقد خالف كتاب الله وسنة نبيه، وإجماع الأمة أيضًا، إذ ما من عصر من عهد الصحابة إلى ظهور المخالفين، إلا وكان الناس يتفاوضون فيه، في أمر السحر وتأثيراته، حتَّى اختلف الفقهاء في حكم
(١) أي بمعرفة السند الصحيح، ثم أن تكون موافقة للشرع الَّذي هو المرجع الصحيح لمعرفة الأخبار ورحم الله شيخ الإسلام بتسمية كتابه "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" وإننا لا نجد خلافًا بين الصحيح والصريح.