للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى، كيلا يتوهم منه تجويز الابتداء باسم سوى اسم الله تعالى.

وعلى هذا فيكون في الكلام قصر إفراد، والمقصود من الابتداء، الفعل الذي يبدأ به، فإن المشرك لمَّا كان يبتدئ في أفعاله المخصوصة باسم آلهته، وجب على الموحد أن يبتدئ في أفعاله المخصوصة باسم الله تعالى، ردًا على المشرك، وإظهارًا للتوحيد الذي هو المقصود من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنزال الكتب، وليس هذا المعنى مقصودًا على ما تقدم من الرد على المشركين، ولكنَّه عام لغيرهم أيضًا، ممن استند إلى الأسباب.

وذلك أن الله لمَّا أظهر حكمة التسبيب، وأرى الخلق أن بعض الأشياء مستفادة من أشياء أخر، مرتبة عليها ومتقدمة عليها، حتى صارت كأنها أسبابها، كما يُرَى أن النبات لا يكون إلا بالمطر، وأن البذار مثلًا لا ينبت إلا بالماء، إذا كانت الأرض التي هو فيها مساعدة على إنباته، وقف بعض الناس عند أول سبب فلم ير ما قبله، ومنهم من وقف عند سبب السبب، كالذي يعتقد: أن منشأ الأشياء الكونية من الأثير، وأنه هو السبب الفاعل لما نشاهده، ومنهم من وقف عند أسباب بحسب ما انتهى إليه عقله.

فلا جرم، طوى الحق تعالى تلك الأسباب، وأظهر بتقديم الجار والمجرور من البسملة، أن كل شيء ظهر في الوجود، إنما كان باسمه سبحانه وتعالى ... (١) إن أمثال هذه المعاني نلحظها ولا نلقي لها بالًا، وربما يغرب عن خاطرنا المقصود منها، فلا بد لنا من تقريرها بما يقرب من معنى ما تقدم، لترسخ في النفس فنقول:

إن كثيرًا منا من يقول: عملت هذا العمل باسم فلان، يقصد بذلك التباعد عنه والانسلاخ من عمله، ويقول: بنيت هذه الدار باسم الأمير فلان، أو باسم كذا وكذا، فإذا كان العمل خالصًا لله تعالى، وجب على العامل أن يقول عند الابتداء به: بسم الله، فكأنه يقول: إنما عملي هذا هو بأمر الله، وهو خالص له، وليس


(١) هنا عبارة غير واضحة لذلك حذفناها، والكلام لا يتضرر بحذفها، ولعل تتمة العبارة: (لا بسبب سواه) كما ني "نظم الدرر" للبقاعي ١/ ٢٥.

<<  <   >  >>