للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن سباط (١) مرفوعًا: "إن الأرض دحيت من مكة، وكانت الملائكة تطوف بالبيت، فهي أول من طاف به، فهي الأرض التي قال الله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} " وهذا المروي قد سقط من إسناده الصحابي، فهو مرسل، ومثله لا يفيد اليقين، على أنه يقتضي أن يكون الله جعل آدم خليفة في بعض الأرض، وظاهر القرآن بخلافه، وأيضًا يقتضي أن عالمًا من البشر كانوا في غير أرض مكة، فلم يخلفهم آدم، ولم يكونوا من صلبه.

بقي أن يقال: ما الفائدة في قوله تعالى للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} مع أنه تعالى منزه عن الحاجة إلى المشورة؟ ويجاب بأنه تعالى قال ذلك ليعلم عباده المشاورة في الأمور، ولذلك قال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٣٨]، وليعلم أيضًا طلبُ الدليل على المُدَّعَى، فلا يأخذون القول على علاته، وليبين لهم الإيقاف على الحكمة في إيجاد من يقع منه شر، وليسألوا ذاك السؤال، ويجابوا بما أجيبوا به، فيعرفوا حكمته في الاستخلاف قبل وجوده، صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت الاستخلاف، فمن ثم قالوا على سبيل التعجب، من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية، وهو الحكيم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} الآية، قالوا ذلك: لما ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون، وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم، أو أنهم قاسوا من يأتي من صلب آدم على من كان قبله من سكان الأرض، فقالوا طالبين الإيقاف على الحكمة في إيجاد من يقع منه شر، {أَتَجْعَلُ فِيهَا} أي: في الأرض، {مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} بأنواع المعاصي، بسبب ما ركب فيهم من الشهوة النفسانية، {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، أي: يسكبها بغير حقها بسطوة بالقوة الغضبية، لعدم عصمتهم، {وَنَحْنُ} أي: والحال أنا نحن نسبح بحمدك، أي: نسبح حامدين لك، وملتبسين بحمدك، لأنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق واللطف، لم نتمكن من عبادتك، والتسبيح: تنزيه الله عن السوء، وكذلك تقديسه مأخوذ من قول


(١) في الأصل "أسباط" والتصويب من الطبري.

<<  <   >  >>