للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل اللعنة مستعلية عليهم، كأنه شيء جاءهم من أعلاهم فجللهم بها، ثم نبه على علة اللعنة وسببها وهي: الكفر.

ولما استحقوا بهذا وجوه المذام كلها وصل به قوله:

{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (٩٠)}.

{بِئْسَمَا} كلمة جامعة للمذام، وهي مقابلة لـ "نِعْمَ" [الجامعة] (١) لوجوه المدائح كلها، وأمّا "ما" فذهب سيبويه إلى أن موضعها رفع على أنها فاعل بئس فقال: هي معرفة تامة، التقدير بئس الشيء، والمخصوص بالذم على هذا محذوف، أي: شيء {اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} و {أَنْ يَكْفُرُوا}، بدل من ذلك المحذوف، واختار هذا القول أبو حيان الأندلسي في "النهر" (٢)، ولا نطيل الكلام بهذا هنا لأنَّه مفروغ منه في علم النحو، وقد بسطنا القول عليه في كتابنا "إيضاح المعالم من شرح العلامة ابن الناظم على ألفية والده محمد بن مالك".

{اشْتَرَوْا} هنا بمعنى: باعوا، وفي "المنتخب": أن الاشتراء هنا على بابه لأنَّ المكلف إذا خاف على نفسه من العقاب، أتى بأعمال يظن أنها تخلصه، وكأنه قد اشترى نفسه بها، فهؤلاء اليهود لما اعتقدوا فيما أتوا به أنَّه يخلصهم، ظنوا أنهم اشتروا أنفسهم، فذمهم الله تعالى، انتهى.

وهذا القول يرده وجوه: أولها: أن سياق الآية لا يوافقه، لأنَّه لو كان كذلك، لكان ينبغي أن يندد عليهم بالخطأ أو بالجهل، ولا يقال لهم: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}.


(١) زيادة من البقاعي.
(٢) واسمه "النهر الماد من البحر"، طبع سنة ١٣٢٨ هـ بمطبعة السعادة على حاشية البحر المحيط لأبي حيان، وهو مختصر له (ينظر مقدمة "تحفة الأريب" لأبي حيان: ص ٣٠ و ٣٣، تحقيق الدكتور سمير المجذوب، طبع المكتب الإسلامي).

<<  <   >  >>