للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يقدر على جمع ربع هذا العدد في مدة أسبوع، مع وجود السفن البخارية البرية، والبحرية، وانتظام الطرقات والأسلاك الناقلة للأخبار بالسرعة، وانظر أي برية تسع هذا الجيش، وأي طريق يمكنه السير به، وهم على أفراسهم البالغة مثل عددهم، وإذا فرضنا أن طريقًا يسعهم فانظر أين يكون أولهم، وأين يصير آخرهم.

وقالوا أيضًا: إن بني إسرائيل كانوا يومئذٍ ستمئة ألف، لأنهم كانوا اثني عشر سبطًا كل سبط خمسون ألفًا، وهذا أيضًا بعيد التصديق إذا رجحنا ما قاله ابن خلدون: من أن الذي بين موسى وإسرائيل إنَّما هو أربعة آباء، على ما ذكره المحققون، وقال المسعودي: دخل إسرائيل مصر مع ولده الأسباط، وأولادهم حين أتوا إلى يوسف سبعين نفسًا (١)، وكان مقامهم إلى أن خرجوا من مصر مع موسى عليه السَّلام إلى التيه مئتين وعشرين سنة، تتداولهم ملوك القبط من الفراعنة، ويبعد أن يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل هذا العدد، انتهى.

وكذلك إذا اعتبرنا نسخة التوراة التي بأيدينا اليوم فإنَّها تقول: وأمَّا إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر، فكانت أربعمئة وثلاثين سنة، كان الأمر بعيدًا أيضًا، ولا يتشعب النسل في هذه المدة إلى مثل هذا العدد، اللَّهم إلَّا إلى المئين والآلاف، فربما يكون، وأما أن يتجاوز إلى ما بعدهما من عقود الأعداد فبعيد، واعتبر ذلك في الحاضر المشاهد والقريب المعروف، تجد هذا الزعم كاذبًا والنقل باطلًا، وكذلك نجد لقومنا من الغلو في الحكايات الإسرائيلية ما ليس عند الإسرائيلين أنفسهم.

وهذه النعمة التي ذكر الله تعالى بها بني إسرائيل، من أعظم النعم الحاصلة لهم بعد الإيمان, لأنَّها نقلتهم من الاستعباد إلى فضاء الحرية، ومن حكم الأغيار إلى حكم أنفسهم، وجعلتهم ملوكًا بعد أن كانوا أرقاء، وأرجعتهم إلى أوطانهم التي نشأ بها سلفهم، وأهلك عدوهم أمام أعينهم.


(١) الأصل: "سبعين سبعًا" والتصحيح من ابن خلدون.

<<  <   >  >>