للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جواري في مجراها ومسيرها، كُنّسًا عند غروبها، فأقسم بها في أحوالها الثلاثة، ولم يقسم في كتابه بشيء من مخلوقاته، أكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر، وهو سبحانه يقسم بما يقسم به من مخلوقاته، لتضمنه الآيات والعجائب الدالة عليه.

وكل ما كان أعظم آية، وأبلغ في الدلالة، كان إقسامه به أكثر من غيره، ولهذا يعظم سبحانه هذا القسم كقوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)} [الواقعة] والأظهر: أن المراد مواقع هذه النجوم التي هي في السماء، فإنه تعالى لم يطلق لفظ النجوم في كتابه العزيز إلا عليها، فلقد تعرف تعالى إلى خلقه بأنواع التعرفات، ونصب لهم الدلالات، وأوضح لهم الآيات البينات، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: ٤٢].

ثم إنه تعالى بعد أن نبهنا إلى عظم خلق السماوات، نبهنا إلى عظم خلق الأرض، فإن من تأمل - في شكلها من الاستدارة، وفي حيزها من كونها واقعة في مركز العالم، على ما ذهب إليه الأكثر، حتى انبعث منها بوقوع الشمس عليها مخروط ظلي في مقابلة الشمس، متى وقع القمر فيه انخسف، ومن انكشاف بعضها عن كرة الماء لمكان الاستقرار عليها، وفي اختلاف أوضاع بقاعها بالنسبة إلى السماء، حتى اختلف مرور الشمس وسائر الكوكب، بسمت رؤوس قطان البلدان، وتباينت الفصول والأمزجة والأخلاق، وتغايرت الطوالع والمطالع بحسب تغاير الآفاق، ومن سائر أعراضها ومنافعها التي تقرر طرف منها في تفسير قوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} [البقرة: ٢٢]- علم افتقارها إلى مدبر قدير وعليم خبير، واحد في ملكه، يفعل ما يشاء ويختار، هذا إذا نظر إليها نظرًا سطحيًا، وأما إذا نظرنا إلى ذلك نظرًا حقيقيًا، ورأينا ما أودع في جوفها من أنواع المعادن التي يفنى الزمان ولا تفنى عجائبها، فإننا نزداد معرفة بعجائب قدرة الله تعالى، فانظر إلى تولد الأحجار الفحمية في جوفها، التي عم نفعها العالم في صنائعه، وسفنه البرية والبحرية،

<<  <   >  >>