له خوار, أي: صياح، فلما رآه بنو إسرائيل قالوا: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٨٨)} [طه] كما أخبر تعالى عن ذلك في سورة طه، وسيأتي تمام الكلام هناك إن شاء الله تعالى.
ثم أعقب تعالى بعد بيان ما ارتكبوه بجهلهم، قوله:{ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ}، أي: تركنا معاجلتكم بالعقوبة، {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}، أي: من بعد اتخاذكم العجل إلهًا {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، أي: لأجل أن تشكروا، فـ "لعل" معناها هنا التعليل كما قاله الأخفش والكسائي. وحملوا عليه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)} [طه]. ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء.
وهذه القصة تدل على أن القوم، كانوا لا يزال فكر فرعون مؤثرًا عليهم، بادعاء الحلول، فلما رأوا ذلك العجل فَطِنوا لما كمن في طبائعهم من الحلول، فعبدوا العجل، وكذلك كل فرقة يبقى في أفكارها شيء من هذه العقيدة سرعان ما تميل إليه، وتترك الدين الخالص، وأعلم أن ما أفسد الشرائع وأخرج النَّاس عن الصراط المستقيم، إلَّا هذه القاعدة الشيطانية، ففكر في أمر الفرق والأديان والملل والنحل، واجعل هذه القاعدة أساس البحث، تجد صدق هذا القول.
وفي هذه القصة تحذير عظيم من التقليد والجهل بالدلائل، فإن أولئك الأقوام، لو أنهم عرفوا الله بالدليل معرفة تامة، لما وقعوا في شبهة السامري، وكذلك في كل زمان سامري يتحيلُ لإلقاء الشبه بين المؤمنين، ويدعو إلى الحلول، فبينّ الله تعالى هذه القصة ليعتبر بها الذين يصغون لحيل المارقين الملبّسين على الأمة، وأيضًا فإن أشد النَّاس مجادلة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، في أيامه، كانوا اليهود، وكانوا هم أشد أعدائه، فكأنه تعالى قال: إن هؤلاء إنَّما يفخرون بأسلافهم، ثم إن أسلافهم كانوا في البلادة والجهالة والعناد إلى هذا الحد، فكيف هؤلاء الأخلاف - والظلم في أصل اللغة: النقص- والمعنى: أنهم لما تركوا عبادة الخالق المحيي المميت، واشتغلوا بعبادة العجل، صاروا ناقصين في خيرات الدين والدنيا.