وأما أوصافهم، فقد بين تعالى أنه {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}[فاطر: ١]، وأنهم {عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ}[الأنبياء: ١٩]، وبين أنهم الصافون والمسبحون، لا يعصون الله شيئًا {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل: ٥٠, والتحريم: ٦] , وأنهم {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ}[الأنبياء: ٢٧]، وأن منهم صاحب الصور.
وأما الجن، فقد بيّن تعالى أنه {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)} [الرحمن: ١٥]، وأن منهم {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)} [ص: ٣٧]، وقال تعالى حاكيًا عن سليمان:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ}[سبأ: ١٣] إلى غير ذلك مما يعلمه من قرأ الكتاب العزيز.
وأما حقيقة هذين الجنسين، فلم ترد في القرآن الكريم، لأنه لا منفعة لنا بها، ولو كان لنا بها وببيانها منفعة لبينها سبحانه وتعالى.
والطائفة الثانية من المثبتين قالوا: لا تخلو الملائكة من أن تكون ذوات قائمة بأنفسها أو لا، فالثاني باطل، والأول يقال عليه: لا تخلو تلك الذوات من أن تكون متحيزة، أو لا تكون، وقد ذهب إلى كل من القولين أمة، ثم إن القائلين بأن الملائكة ذوات متحيزة، ذهبوا مذاهب: أحدها المذهب الذي قدمناه آنفًا؛ ثانيًا: مذهب عبدة الأوثان، قالوا: إن الملائكة هي الحقيقة في هذه الكواكب الموصوفة بالسعد والنحس، ويزعمون أن الكواكب أحياء ناطقة. وثالثها: مذهب المجوس، القائلين بأن العالم مركب من أصلين أزليين، وهما النور والظلمة، ثم إن جوهر النور فاضل شريف لم يزل يولد الملائكة، لا على سبيل التناكح، بل على سبيل تولد الحكمة من الحكيم، والضوء من المضيء، وجوهر الظلمة شرير لم يزل يولد الأعداء، وهم الشياطين ولكن لا على سبيل التناكح، بل على سبيل تولد السفه من السفيه.
والقائلون بأن الملائكة ذوات قائمة بأنفسها، وليست بمتحيزة افترقوا فرقتين: فرقة قالت: إن الملائكة في الحقيقة هي الأنفس الناطقة المفارقة لأبدانها، على نعت الخير والصفاء، وذلك لأن هذه النفوس المفارقة إن كانت صافية خالصة فهي الملائكة، وإن كانت خبيثة كدرة فهي الشياطين، وينسب هذا القول لقدماء