للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السحاب، والمطر ينزل منه فلا إشكال، على أن كثيرًا من المفسرين حتى الخازن والسيوطي، فسر السماء هنا بالسحاب، وهما أشد الناس نفرة من العلوم الطبيعية، وقال "البيضاوي" في تفسيره: و {مِنَ} الأُولى، أي: في قوله تعالى: {مِنَ السَّمَاءِ} للابتداء، سواء أريد بالسماء السحاب فإن ما علاك سماء، أو الفلك، فإن المطر يبتدئ من السماء إلى السحاب، ومنه إلى الأرض على ما دلت عليه الظواهر، أو من أسباب سماوية تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى جوّ الهواء، فتنعقد سحابًا ماطرًا، انتهى.

قال "الشهاب الخفاجي" في حاشيته المسماة بـ "عناية القاضي": وتفصيل هذا الكلام، كما في كتب الحكمة الطبيعية، أن الشمس إذا سامتت بعض البحار والبراري، أثارت من البحار بخارًا رطبًا، ومن البراري بخارًا يابسًا والبخار أجزاء هوائية، يمازجها أجزاء صغار مائية، لطفت بالحرارة حتى لا تتمايز في الحس، لغاية صغرها، فإذا صعد البخار إلى طبقة الهواء الثالثة، تكاثف، فإن لم يكن البرد قويًا، اجتمع ذلك البخار وتقاطر لثقله بالتكاثف، فالمجتمع هو السحاب، والمتقاطر هو المطر، وإن كان البرد قويًا كان ثلجًا وبردًا، وقد لا يعقد سحابًا ويسمى ضبابًا، انتهى.

وأيًا ما كان، فقد اتفق كل من علماء فن العلوم الطبيعية، والمفسرون على أن المطر ينزل من جهة العلو، وإذا كان بخارًا ارتفع إلى حيث شاء الله تعالى، فإذا تكاثف انحط عن مرتبته، ثم كان مطرًا أو ثلجًا أو بردًا، ولما كان السحاب جرمًا عظيمًا، كان كأنه جبل بين السماء والأرض.

والإشارة في هذه الآية إلى أن ما سَوَّاه عز وجل، من شبه [الاتصال] (١) بين الأرض والسماء، بإنزال الماء من السماء على الأرض، والإخراج به من بطنها أشباه النسل الذي ينتج من الحيوان، من ألوان الثمار رزقًا لبني آدم، لتكون تلك الإشارة اعتبارًا في مخلوقاته تعالى، وسلمًا يصعدون به إلى النظر الموصل إلى


(١) زيادة مني اقتضاها السياق.

<<  <   >  >>